الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ } * { فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ } * { كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ } * { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

{ إلا عباد الله }: استثناء منقطع. لما ذكر شيئاً من أحوال الكفار وعذابهم ذكر شيئاً من أحوال المؤمنين ونعيمهم. و { المخلصين }: صفة مدح، لأن كونهم عباد الله، يلزم منه أن يكونوا مخلصين. ووصف { رزق } بمعلوم، أي عندهم. فقد قرت عيونهم بما يستدر عليهم من الرزق، وبأن شهواتهم تأتيهم بحسبها. وقال الزمخشري: معلوم بخصائص خلق عليها من طيب طعم ورائحة ولذة وحسن منظر. وقيل: معلوم الوقت كقوله:ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } [مريم: 62]. وعن قتادة: الرزق المعلوم: الجنة. وقوله: { في جنات النعيم } يأباه. انتهى. { فواكه } بدل من { رزق } ، وهي ما يتلذذ به ولا يتقوت لحفظ الصحة، يعني أن رزقهم كله فواكه لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالأقوات لأنهم أجسام محكمة مخلوقة للأبد، فكل ما يأكلونه فهو على سبيل التلذذ. وقرأ ابن مقسم: مكرمون، بفتح الكاف مشدد الراء.

ذكر أولاً الرزق، وهو ما يتلذذ به الأجسام. وثانياً الإكرام، وهو ما يتلذذ به النفوس، ورزق بإهانة تنكيد. ثم ذكر المحل الذي هم فيه، وهو جنات النعيم. ثم أشرف المحل، وهو السرر. ثم لذة التآنس بأن بعضهم يقابل بعضاً، وهو أتم السرور وآنسة. ثم المشروب، وأنهم لا يتناولون ذلك بأنفسهم، بل يطاف عليهم بالكؤوس. ثم وصف ما يطاف عليهم به من الطيب وانتفاء المفاسد. ثم ذكر تمام اللذة الجسمانية، وختم بها كما بدأ باللذة الجسمانية من الرزق، وهي أبلغ الملاذ، وهي التآنس بالنساء.

وقرأ الجمهور: { على سرر } ، بضم الراء؛ وأبو السمال: بفتحها، وهي لغة بعض تميم؛ وكلب يفتحون ما كان جمعاً على فعل من المضعف إذا كان اسماً. واختلف النحويون في الصفة، فمنهم من قاسها على الاسم ففتح، فيقول ذلك بفتح اللام على تلك اللغة الثانية في الاسم. ومنهم من خص ذلك بالاسم، وهو مورد السماع في تلك اللغة. وقيل: التقابل لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. وفي الحديث: " أنه في أحيان ترفع عنهم ستور فينظر بعضهم إلى بعض ولا محالة أن أكثر أحيانهم فيها قصورهم ". و { يطاف }: مبني للمفعول وحذف الفاعل، وهو المثبت في آية أخرى في قوله:ويطوف عليهم ولدان مخلدون } [الإنسان: 19]،ويطوف عليهم غلمان لهم } [الطور: 24]، ولعلهم من مات من أولاد المشركين قبل التكليف. ففي صحيح البخاري أنهم خدم أهل الجنة. والكأس: ما كان من الزجاجة فيه خمر أو نحوه من الأنبذة، ولا يسمى كأساً إلا وفيه ذلك. وقد سمى الخمر نفسها كأساً، تسمية للشيء باسم محله، قال الشاعر:
وكأس شربت على لذة   وأخرى تداويت منها بها
وقال ابن عباس، والضحاك، والأخفش: كل كأس في القرآن فهو خمر. وقيل: الكأس هيئة مخصوصة في الأواني، وهو كل ما اتسع فمه ولم يكن له مقبض، ولا يراعى كونه لخمر أولاً.

السابقالتالي
2 3 4 5