الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } * { مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ } * { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } * { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ } * { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } * { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الظاهر أن الجنة هم الشياطين، وعن الكفار في ذلك مقالات شنيعة. منها أنه تعالى صاهر سروات الجن، فولد منهم الملائكة، وهم فرقة من بني مدلج، وشافه بذلك بعض الكفار أبا بكر الصديق. { ولقد علمت الجنة }: أي الشياطين، أنها محضرة أمر الله من ثواب وعقاب، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري: إذا فسرت الجنة بالشياطين، فيجوز أن يكون الضمير في { إنهم لمحضرون } لهم. والمعنى أن الشياطين عالمون أن الله يحضرهم النار ويعذبهم، ولو كانوا مناسبين له، أو شركاء في وجوب الطاعة، لما عذبهم. وقيل: الضمير في { وجعلوا } لفرقة من كفار قريش والعرب، والجنة: الملائكة، سموا بذلك لاجتنابهم وخفائهم. وقال الزمخشري: وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعاً منهم وتصغيراً لهم، وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة التي أضافوها إليهم، وفيه إشارة إلى أن من صفته الاجتنان والاستتار، وهو من صفات الأجرام، لا يصح أن يناسب من لا يجوز عليه ذلك. انتهى.

{ ولقد علمت الجنة }: أي الملائكة، { إنهم }: أي الكفرة المدعين نسبة بين الملائكة وبين الله تعالى، محضرون النار، يعذبون بما يقولون. وأضيف ذلك إلى علم من نسبوا لذلك، مبالغة في تكذيب الناسبين. ثم نزه تعالى نفسه عن الوصف الذي لا يليق به، { إلا عباد الله } ، فإنهم يصفونه بصفاته. وأما من المحضرون، أي إلا عباد الله، فإنهم ناجون مدة العذاب، وتكون جملة التنزيه اعتراضاً على كلا القولين، فالاستثناء منقطع. والظاهر أن الواو في { وما تعبدون } للعطف، عطفت ما تعبدون على الضمير في إنكم، وأن الضمير في عليه عائد على ما، والمعنى: قل لهم يا محمد: وما تعبدون من الأصنام ما أنتم وهم، وغلب الخطاب. كما تقول: أنت وزيد تخرجان عليه، أي على عبادة معبودكم. { بفاتنين }: أي بحاملين بالفتنة عبادة، إلا من قدر الله في سابق علمه أنه من أهل النار. والضمير في { عليه } عائد على ما على حذف مضاف، كما قلنا، أي على عبادته. وضمن فاتنين معنى: حاملين بالفتنة، ومن مفعولة بفاتنين، فرغ له العامل إذ لم يكن بفاتنين مفعولاً. وقيل: عليه بمعنى: أي ما أنتم بالذي تعبدون بفاتنين، وبه متعلق بفاتنين، المعنى: ما أنتم فاتنين بذلك الذي عبدتموه إلا من سبق عليه القدر أنه يدخل النار. وجعل الزمخشري الضمير في عليه عائداً على الله، قال فإن قلت: كيف يفتنونهم على الله؟ قلت: يفسدونهم عليه بإغوائهم واستهوائهم من قولك: فتن فلان على فلان امرأته، كما تقول: أفسدها عليه وخيبها عليه. ويجوز أن تكون الواو في { وما تعبدون } بمعنى مع مثلها في قولهم: كل رجل وضيعته. فكما جاز السكوت على كل رجل وضيعته، جاز أن يسكت على قوله: { فإنكم وما تعبدون } ، لأن قوله: { وما تعبدون } ساد مسد الخبر، لأن معناه فإنكم مع ما تعبدون، والمعنى: فإنكم مع آلهتكم، أي فإنكم قرناؤهم وأصحابهم لا تبرحون تعبدونهم.

السابقالتالي
2 3 4