الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } * { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } * { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ } * { وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } * { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } * { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } * { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

العراء: الأرض الفيحاء لا شجر فيها ولا يعلم، قال الشاعر:
رفعت رجلاً لا أخاف عثارها   ونبذت بالمين العراء ثيابي
اليقطين: يفعيل كاليفصيد، من قطن: أقام بالمكان، وهو بالمكان، وهو ما كان من الشجر لا يقوم على ساق من عود، كشجر البطيخ والحنظل والقثاء. الساحة: الفناء، وجمعها سوح، قال الشاعر:
فكان سيان أن لا يسرحوا نعما   أو يسرحوه بها واغبرت السوح
{ وإن يونس لمن المرسلين، إذ أبق إلى الفلك المشحون، فساهم فكان من المدحضين، فالتقمه الحوت وهو مليم، فلولا أنه كان من المسبحين، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون، فنبذناه بالعراء وهو سقيم، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين، وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون، فآمنوا فمتعناهم إلى حين، فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون، أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون، ألا إنهم من إفكهم ليقولون، ولد الله وإنهم لكاذبون، أصطفى البنات على البنين، ما لكم كيف تحكمون، أفلا تذكّرون، أم لكم سلطان مبين، فأتوا بكتابكم إن كنتم صادقين }.

يونس بن متى من بني إسرائيل. وروي أنه نبىء وهو ابن ثمان وعشرين سنة، بعثه الله إلى قومه، فدعاهم للإيمان فخالفوه، فوعدهم بالعذاب، فأعلمهم الله بيومه، فحدده يونس لهم. ثم إن قومه لما رأوا مخايل العذاب قبل أن يباشرهم تابوا وآمنوا، فتاب الله عليهم وصرف العذاب عنهم. وتقدم شرح قصته، وأعدنا طرفاً منها ليفيد ما بين الذكرين. قيل: ولحق يونس غضب، فأبق إلى ركوب السفينة فراراً من قومه، وعبر عن الهروب بالإباق، إذ هو عبد الله، خرج فاراً من غير إذن من الله. وروي عن ابن مسعود أنه لما أبعدت السفينة في البحر، ويونس فيها، ركدت. فقال أهلها: إن فيها لمن يحبس الله السفينة بسببه، فلنقترع. فأخذوا لكل سهماً، على أن من طفا سهمه فهو، ومن غرق سهمه فليس إياه، فطفا سهم يونس. فعلوا ذلك ثلاثاً، تقع القرعة عليه، فأجمعوا على أن يطرحوه. فجاء إلى ركن منها ليقع منها، فإذا بدابة من دواب البحر ترقبه وترصد له. فانتقل إلى الركن الآخر، فوجدها حتى استدار بالمركب وهي لا تفارقه، فعلم أن ذلك من عند الله، فترامى إليها فالتقمته. ففي قصة يونس عليه السلام هنا جمل محذوفة مقدرة قبل ذكر فراره إلى الفلك، كما في قصته في سورة الأنبياء في قوله:إذ ذهب مغاضباً } [الأَنبياء: 87] هو ما بعد هذا، وقوله:فنادى في الظلمات } [الأَنبياء: 87]، جمل محذوفة أيضاً. وبمجموع القصص يتبين ما حذف في كل قصة منها.

{ فساهم فكان من المدحضين }: من المغلوبين، وحقيقته من المزلقين عن مقام الظفر في الاستهام. وقرىء: { وهو مليم } ، بفتح الميم، وقياسه ملوم، لأنه من لمته ألومه لوماً، فهو من ذوات الواو، ولكنه جيء به على أليم، كما قالوا: مشيب ومدعى في مشوب، ومدعو بناء على شيب ودعى.

السابقالتالي
2 3 4