الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } * { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } * { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

الإخبار وتنبيه الاستفهام لقريش، وإعراضها عن عبادة الله، وعكوفها على عبادة الأصنام. ولما كانت الأشياء المصنوعة لا يباشرها البشر إلا باليد، عبر لهم بما يقرب من أفهامهم بقوله: { مما عملت أيدينا }: أي مما تولينا عمله، ولا يمكن لغيرنا أن يعمله. فبقدرتنا وإرداتنا برزت هذه الأشياء، لم يشركنا فيها أحد، والباري تعالى منزه عن اليد التى هي الجارحة، وعن كل ما اقتضى التشبيه بالمحدثات. وذكر الأنعام لها لأنها كانت جل أموالهم، ونبه على ما يجعل لهم من منافعها. { لها مالكون }: أي ملكناها إياهم، فهم متصرفون فيها تصرف الملاك، مختصون بالانتفاع بها، أو { مالكون }: ضابطون لها قاهرونها، من قوله:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا   أملك رأس البعير إن نفرا
أي: لا أضبطه، وهو من جملة النعم الظاهرة. فلولا تذليله تعالى إياها وتسخيره، لم يقدر عليها. ألا ترى إلى ما ندَّ منها لا يكاد يقدر على ردة؟ لذلك أمر بتسبيح الله راكبها، وشكره على هذه النعمة بقوله بقوله:سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } [الزخرف: 13]. وقرأ الجمهور: { ركوبهم } ، وهو فعول بمعنى مفعول، كالحضور والحلوب والقذوع، وهو مما لا ينقاس. وقرأ أبي، وعائشة: ركوبتهم بالتاء، وهي فعولة بمعنى مفعولة. وقال الزمخشري: وقيل الركوبة جمع. انتهى، ويعني اسم جمع، لأن فعولة بفتح الفاء ليس بجمع تكسير. وقد عد بعض أصحابنا أبنية أسماء الجموع، فلم يذكر فيها فعولة، فينبغي أن يعتقد فيها أنها اسم مفرد لاجمع تكسير ولا اسم جمع، أي مركوبتهم كالحلوبة بمعنى المحلوبة. وقرأ الحسن، وأبو البرهيثم، والأعمش: ركوبهم، بضم الراء وبغير تاء، وهو مصدر حذف مضافة، أي ذو ركوبهم، أو فحسن منافعها ركوبهم، فيحذف ذو، أو يحذف منافع. قال ابن خالويه: العرب تقول: ناقة ركوب حلوب، وركوبة حلوبة، وركباة حلباة، وركبوب حلبوب، وركبي حلبي، وركبوتا حلبوتا، كل ذلك محكي، وأنشد:
ركبانة حلبانة زفوف   تخلط بين وبر وصوف
وأجمل المنافع هنا، وفضلها في قوله:وجعل لكم من جلود الأنعام } [الأَنعام: 80] الآية. والمشارب: جمع مشرب، وهو إما مصدر، أي شرب، أو موضع الشرب. ثم عنفهم واستجهلهم في اتخاذهم آلهة لطلب الاستنصار. { لا يستطيعون }: أي الآلهة، نصر متخذيهم، وهذا هو الظاهر. لما اتخذوهم آلهة للاستنصار بهم، رد تعالى عليهم بأنهم ليس لهم قدرة على نصرهم. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الضمير في { يستطيعون } عائد للكفار، وفي { نصرهم } للأصنام. انتهى. والظاهر أن الضمير في وهم عائد على ما هو الظاهر في { لا يستطيعون } ، أي والآلهة للكفار جند محضرون في الآخرة عند الحساب على جهة التوبيخ والنقمة. وسماهم جنداً، إذ هم معدون للنقمة من عابديهم وللتوبيخ، أو محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقوداً للنار.

السابقالتالي
2 3