الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } * { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } * { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلْعُيُونِ } * { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } * { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ }

أخبر تعالى بإهلاك قوم حبيب بصيحة واحدة صاح بهم جبريل، وفي ذلك توعد لقريش أن يصيبهم ما أصابهم، إذ هم المضروب لهم المثل. وأخبر تعالى أنه لم ينزل عليهم لإهلاكهم جنداً من السماء، كالحجارة والريح وغير ذلك، وكانوا أهون عليه. وقوله: { من بعده } ، يدل على ابتداء الغاية، أي لم يرسل إليهم رسولاً، ولا عاتبهم بعد قتله، بل عاجلهم بالهلاك. والظاهر أن ما في قوله: { وما كنا منزلين } نافية، فالمعنى قريب من معنى الجملة قبلها، أي وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاكهم جنداً من السماء، لأنه تعالى أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض، كما قال:فكلاً أخذنا بذنبه } [العنكبوت: 40] الآية. وقالت فرقة: ما اسم معطوف على جند. قال ابن عطية: أي من جند ومن الذي كنا منزلين على الأمم مثلهم. انتهى، وهو تقدير لا يصح، لأن من في من جند زائدة. ومذهب البصريين غير الأخفش أن لزيادتها شرطين: أحدهما: أن يكون قبلها نفي، أو نهي، أو استفهام. والثاني: أن يكون بعدها نكرة، وإن كان كذلك، فلا يجوز أن يكون المعطوف على النكرة معرفة. لا يجوز: ما ضربت من رجل ولا زيد، وإنه لا يجوز: ولا من زيد، وهو قدر المعطوف بالذي، وهو معرفة، فلا يعطف على النكرة المجرورة بمن الزائدة. وقال أبو البقاء: ويجوز أن تكون ما زائدة، أي وقد كنا منزلين، وقوله ليس بشيء.

وقرأ: { إن كانت إلا صيحة } ، بنصب الصيحة، وكان ناقصة واسمها مضمر، أي إن كانت الأخذة أو العقوبة. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ومعاذ بن الحارث القارىء: صيحة بالرفع في الموضعين على أن كانت تامة، أي ما حدثت أو وقعت إلا صيحة، وكان الأصل أن لا يلحق التاء، لأنه إذا كان الفعل مسنداً إلى مابعد إلا من المؤنث، لم تلحق العلامة للتأنيث فيقول: ما قام إلا هند، ولا يجوز: ما قامت إلا هند، عند أصحابنا إلا في الشعر، وجوزه بعضهم في الكلام على قلة. ومثله قراءة الحسن، ومالك بن دينار، وأبي رجاء، والجحدري، وقتادة، وأبي حيوة، وابن أبي عبلة، وأبي بحرية: لا ترى إلا مساكتهم بالتاء، والقراءة المشهورة بالياء، وقول ذي الرمة:
وما بقيت إلا الضلوع الجراشع   
وقول الآخر:
ما برئت من ريبة وذمّ   في حربنا إلا بنات العمّ
فأنكر أبو حاتم وكثير من النحويين هذه القراءة بسبب لحوق تاء التأنيث. { فإذا هم خامدون }: أي فاجأهم الخمود إثر الصيحة، لم يتأخر. وكنى بالخمود عن سكوتهم بعد حياتهم، كنار خمدت بعد توقدها. ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك، هذا تقدير نداء، مثل هذا عند سيبويه، وهو منادى منكور على قراءة الجمهور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد