الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

لما ذكر حال المؤمنين ومقرهم، ذكر حال الكافرين، وهذا يدل على أن أولئك الثلاثة هم في الجنة، { والذين كفروا } هم مقابلوهم، { لا يقضى عليهم }: أي لا يجهز عليهم فيموتوا، لأنهم إذا ماتوا بطلت حواسهم فاستراحوا. وقرأ الجمهور: { فيموتوا } ، بحذف النون منصوباً في جواب النفي، وهو على أحد معنيـي النصب؛ فالمعنى انتفى القضاء عليهم، فانتفى مسببه، أي لا يقضى عليهم ولا يموتون، كقولك: ما تأتينا فتحدثنا، أي ما يكون حديث، انتفى الإتيان، فانتفى الحديث. ولا يصح أن يكون على المعنى الثاني من معنى النصب، لأن المعنى: ما تأتينا محدثاً، إنما تأتي ولا تحدث، وليس المعنى هنا: لا يقضى عليهم ميتين، إنما يقضى عليهم ولا يموتون. وقرأ عيسى، والحسن: فيموتون، بالنون، وجهها أن تكون معطوفة على لا يقضى. وقال ابن عطية: وهي قراءة ضعيفة. انتهى. وقال أبو عثمان المازني: هو عطف، أي فلا يموتون، لقوله:ولا يؤذن لهم فيعتذرون } [المرسلات: 36]، أي فلا يعتذرون ولا يخفف عنهم نوع عذابهم. والنوع في نفسه يدخله أن يحيوا ويسعدوا. قال ابن عطية: وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو: ولا يخفف بإسكان الفاء شبه المنفصل بالمتصل، كقوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب   
وقرأ الجمهور: { نجزي كل } ، مبنياً للفاعل، ونصب كل؛ وأبو عمرو، وأبو حاتم عن نافع: بالياء مبنياً للمفعول، كل بالرفع. { وهم يصطرخون }: بني من الصرخ يفتعل، وأبدلت من التاء طاء، وأصله يصرخون، والصراخ: شدة الصياح، قال الشاعر:
صرخت حبلى أسلمتها قبيلها   
واستعمل في الاستغاثة لجهة المستغيث صوته، قال الشاعر:
وطول اصطراخ المرء في بعد قعرها   وجهد شقي طال في النار ما عوى
{ ربنا أخرجنا }: أي قائلين ربنا أخرجنا منها، أي من النار، وردنا إلى الدنيا. { نعمل صالحاً } قال ابن عباس: نقل: لا إله إلا الله، { غير الذين كنا نعمل } ، أي من الشرك، ونمتثل أمر الرسل، فنؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية. وقال الزمخشري: هل اكتفى بصالحاً، كما اكتفى به فيفارجعنا نعمل صالحاً } [السجدة: 12] وما فائدة زيادة { غير الذي كنا نعمل } على أنه يوهم أنهم يعملون صالحاً آخر غير الصالح الذي عملوه؟ قالت: فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به، وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وركوب المعاصي، ولأنهم كانوا يحسنون صنعاً فقالوا: أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نحسبه صالحاً فنعمله. انتهى. روي أنهم يجابون بعد مقدار الدنيا: { أوَلم نعمركم } ، وهو استفهام توبيخ وتوقيف وتقرير، وما مصدرية ظرفية، أي مدة يذكر. وقرأ الجمهور: { ما يتذكر فيه من تذكر }. وقرأ الأعمش: ما يذكر فيه، من اذكر، بالادغام واجتلاب همزة الوصل ملفوظاً بها في الدرج. وهذه المدة، قال الحسن: البلوغ، يريد أنه أول حال التذكر، وقيل: سبع عشرة سنة.

السابقالتالي
2 3 4