الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَآبِّ وَٱلأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } * { لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } * { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }

لما قرر تعالى وحدانيته بأدلة قربها وأمثال ضربها، أتبعها بأدلة سماوية وأرضية فقال: { ألم تر } ، وهذا الاستفهام تقريري، ولا يكون إلا في الشيء الظاهر جداً. والخطاب للسامع، وتر من رؤية القلب، لأن إسناد إنزاله تعالى لا يستدل عليه إلا بالعقل الموافق للنقل، وإن كان إنزال المطر مشاهداً بالعين، لكن رؤية القلب قد تكون مسندة لرؤية البصر ولغيرها. وخرج من ضمير الغيبة إلى ضمير المتكلم في قوله: { فأخرجنا } ، لما في ذلك من الفخامة، إذ هو مسند للمعظم المتكلم. ولأن نعمة الإخراج أتم من نعمة الإنزال لفائدة الإخراج، فأسند الأتم إلى ذاته بضمير المتكلم، وما دونه بضمير الغائب. والظاهر أن الألوان، إن أريد بها ما يتبادر إليه الذهن من الحمرة والصفرة والخضرة والسواد وغير ذلك، والألوان بهذا المعنى أوسع وأكثر من الألوان بمعنى الأصباغ. وقرأ الجمهور: { مختلفاً ألوانها } ، على حد اختلف ألوانها. وقرأ زيد بن علي: مختلفة ألوانها، على حد اختلفت ألوانها، وجمع التكسير يجوز فيه أن تلحق التاء، وأن لا تلحق. وقرأ الجمهور: { جُدَد } ، بضم الجيم وفتح الدال، جمع جدة. قال ابن بحر: قطع من قولك: جددت الشيء: قطعته. وقرأ الزهري: كقراءة الجمهور. قال صاحب اللوامح: جمع جدة، وهي ما تخالف من الطريق في الجبال لون ما يليها. وعنه أيضاً، بضم الجيم والدال: جمع جديدة وجدد وجدائد، كما يقال في الاسم: سفينة وسفن وسفائن. قال أبو ذؤيب:
جون السراة أم جدائد أربع   
وعنه أيضاً: بفتح الجيم والدال، ولم يجزه أبو حاتم في المعنى، ولا صححه أثراً. وقال غيره: هو الطريق الواضح المبين، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. وقال أبو عبيدة: يقال جدد في جمع جديد، ولا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية. وقال صاحب اللوامح: جدد جمع جديد بمعنى: آثار جديدة واضحة الألوان. انتهى. وقال: مختلف ألوانها، لأن البياض والحمرة تتفاوت بالشدة والضعف، فأبيض لا يشبه أبيض، وأحمر لا يشبه أحمر، وإن اشتركا في القدر المشترك، لكنه مشكل. والظاهر عطف { وغرابيب } على { حمر } ، عطف ذي لون على ذي لون. وقال الزمخشري: معطوف على { بيض } أو على { جدد } ، كأنه قيل: ومن الجبال مخطط ذو جدد، ومنها ما هو على لون واحد. وقال بعد ذلك: ولا بد من تقدير حذف المضاف في قوله: { ومن الجبال جدد } ، بمعنى: ذو جدد بيض وحمر وسود، حتى تؤول إلى قولك: ومن الجبال مختلف ألوانه، كما قال: { ثمرات مختلفاً ألوانها }. { ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانها } يعني: ومنهم بعض مختلف ألوانه. وقرأ ابن السميفع: ألوانها. انتهى.

والظاهر أنه لما ذكر الغرابيب، وهو الشديد السواد، لم يذكر فيه مختلف ألوانه، لأنه من حيث جعله شديد السواد، وهو المبالغ في غاية السواد، لم يكن له ألوان، بل هذا لون واحد، بخلاف البيض والحمر، فإنها مختلفة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6