الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } * { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } * { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }

القمطير: المشهور أنه القشرة الرقيقة التي على نوى التمرة، ويأتي ما قال المفسرون. الجدد: جمع جدة، وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل، كالقطعة العظيمة المتصلة طولاً. وقال الزمخشري: والجدد: الخطط والطرائق. وقال لبيد: أو مذهب جدد على الواحد، ويقال: جدة الحمار للخطة السوداء التي على ظهره، وقد يكون للظبي جدتان مسكيتان تفصلان بين لوني ظهره وبطنه. انتهى. وقال الشاعر:
كأن مبرات وجدة ظهره   كنائن يجري بينهن دليص
الجدة: الخط الذي في وسط ظهره، يصف حمار وحش. الغربيب: الشديد السواد. لغب يلغب لغوباً: أعيا.

{ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور، من كان يريد العزة فللّه العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور، والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير، وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحماً طرياً وتستخرجون حلية تلسبونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسعموا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير }.

لما ذكر أشياء من الأمور السماوية وإرسال الملائكة، ذكر أشياء من الأمور الأرضية: الرياح وإرسالها، وفي هذا احتجاج على منكري البعث. دلهم على المثال الذي يعاينونه، وهو وإحياء الموتى سيان. وفي الحديث: " أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يحيـي الله الموتى، وما آية ذلك في خلقه؟ فقال: هل مررت بوادي أهلك محلاً، ثم مررت به يهتز خضراً؟ فقالوا: نعم، فقال: فكذلك يحيـي الله الموتى، وتلك آيته في خلقه "

قيل: { أرسل } في معنى يرسل، ولذلك عطف عليه { فتثير }. وقيل: جيء بالمضارع حكاية حال يقع فيها إثارة الرياح السحاب، ويستحضر تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية، ومنهفتصبح الأرض مخضرة } [الحج: 63]. قال الزمخشري: وكذا يفعلون بكل فعل فيه نوع تمييز خصوصية بحال يستغرب، أو يتهم المخاطب، أو غير ذلك، كما قال تأبط شراً:
بأني قد لقيت الغول تهوي   بشهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلاد هش فخرت   صريعاً لليدين وللجران
لأنه قصد أن يصور لقومه الحالة التي يشجع فيها ابن عمه على ضرب الغول، كأنه يبصرهم إياها ويطلعهم على كنهها، مشاهدة للتعجب من جراءته على كل هول، وثباته عند كل شدّة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7