الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ } * { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } * { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { قُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَمَا يُبْدِىءُ ٱلْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } * { قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَآ أَضِلُّ عَلَىٰ نَفْسِي وَإِنِ ٱهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { وَقَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَقَدْ كَـفَرُواْ بِهِ مِن قَـبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } * { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ }

{ وما آتيناهم }: أهل مكة، { من كتب } ، قال السدي:من عندنا، فيعلموا بدراستها بطلان ما جئت به. وقال ابن زيد: فنقضوا أن الشرك جائز، وهو كقوله:أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم بما كانوا به يشركون } [الروم: 35]. وقال قتادة: ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليهم نبياً قبل محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى: من أين كذبوا، ولم يأتهم كتاب، ولا نذير بذلك؟ وقيل: وصفهم بأنهم قومٍ أمنون، أهل جاهلية، ولا ملة لهم، وليس لهم عهد بإنزال الكتاب ولا بعثة رسول. كما قال:أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون } [الزخرف: 21]، فليس لتكذيبهم وجه مثبت، ولا شبهة تعلق. كما يقول أهل الكتاب، وإن كانوا مبطلين: نحن أهل الكتاب والشرائع، ومستندون إلى رسل من رسل الله. وقيل: المعنى أنهم يقولون بآرائهم في كتاب الله، يقول بعضهم سحر، وبعضهم افتراء، ولا يستندون فيه إلى أثارة من علم، ولا إلى خبر من يقبل خبره. فإنا آتيناهم كتباً يدرسونها، ولا أرسلنا إليهم رسولاً ولا نذيراً فيمكنهم أن يدعوا، إن أقوالهم تستند إلى أمره.

وقرأ الجمهور: { يدرسونها } ، مضارع درس مخففاً؛ أبو حيوة: بفتح الدال وشدها وكسر الراء، مضارع ادّرس، افتعل من الدرس، ومعناه: تتدارسونها. وعن أبي حيوة أيضاً: يدرسونها، من التدريس، وهو تكرير الدرس، أو من درس الكتاب مخففاً، ودرّس الكتاب مشدداً التضعيف باعتبار الجمع. ومعنى { قبلك } ، قال ابن عطية: أي وما أرسلنا من نذير شافههم بشيء، ولا يباشر أهل عصرهم، ولا من قرب من آبائهم. وقد كانت النذارة في العالم، وفي العرب مع شعيب وصالح وهود. ودعوة الله وتوحيده قائم لم تخل الأرض من داع إليه، وإنما المعنى: من نذير يختص بهؤلاء الذين بقيت إليهم، وقد كان عند العرب كثير من نذارة إسماعيل، والله تعالى يقول:إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً } [مريم: 54]، ولكن لم يتجرد للنذارة، وقاتل عليها، إلا محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.

{ وكذب الذين من قبلهم }: توعد لهم ممن تقدمهم من الأمم، وما آل إليه أمرهم، وتسلية لرسوله بأن عادتهم في التكذيب عادة الأمم السابقة، وسيحل بهم ما حل بأولئك. وأن الضميرين في: { بلغوا } وفي: { ما آتيناهم } عائدان على { الذين من قبلهم } ، ليتناسقا مع قوله تعالى: { فكذبوا } ، أي ما بلغوا في شكر النعمة وجزاء المنة معشار ما آتيناهم من النعم والإحسان إليهم. وقال ابن عباس، وقتادة، وابن زيد: الضمير في { بلغوا } لقريش، وفي { ما آتيناهم } للأمم { الذين من قبلهم }. والمعنى: وما بلغ هؤلاء بعض ما آتينا أولئك من طول الأعمار وقوة الأجسام وكثرة الأموال، وحيث كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال، ولم يغن عنهم ما كانوا فيه من القوة، فكيف حال هؤلاء إذا جاءهم العذاب والهلاك؟ وقيل: الضمير في { بلغوا } عائد على { الذين من قبلهم } ، وفي { آتيناهم } على قريش، وما بلغ الأمم المتقدمة معشار ما آتينا قريشاً من الآيات والبينات والنور الذي جئتهم به.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9