الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } * { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

لما ذكر تعالى قصة زيد وزينب وتطليقه إياها، وكانت مدخولاً بها، واعتدت، وخطبها الرسول، عليه السلام، بعد انقضاء عدتها، بين حال من طلقت قبل المسيس، وأنها لا عدة عليها.

ومعنى { نكحتم }: عقدتم عليهن. وسمى العقد نكاحاً لأنه سبب إليه، كما سميت الخمر إثماً لأنها سبب له. قالوا: ولفظ النكاح في كتاب الله لم يرد إلا في العقد، وهو من آداب القرآن؛ كما كنى عن الوطء بالمماسة والملامسة والقربان والتغشي والإتيان، قيل: إلا في قوله:حتى تنكح زوجاً غيره } [البقرة: 230]، فإنه بمعنى الوطء، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة. والكتابيات، وإن شاركت المؤمنات في هذا الحكم، فتخصيص المؤمنات بالذكر تنبيه على أن المؤمن لا ينبغي أن يتخير لنطفته إلا المؤمنة. وفائدة المجيء بثم، وإن كان الحكم ثابتاً، إن تزوجت وطلقت على الفور، ولمن تأخر طلاقها. قال الزمخشري: نفي التوهم عمن عسى يتوهم تفاوت الحكم بين أن يطلقها، وهي قريبة العهد من النكاح، وبين أن يبعد عهدها بالنكاح، وتتراخى بها المدة في حيالة الزوج ثم يطلقها. انتهى. واستعمل صلة لمن عسى، وهو لا يجوز، أو لوحظ في ذلك الغالب. فإن من أقدم على العقد على امرأة، إنما يكون ذلك لرغبة، فيبعد أن يطلقها على الفور، لأن الطلاق مشعر بعدم الرغبة، فلا بد أن يتخلل بين العقد والطلاق مهلة يظهر فيها للزوج نأيه عن المرأة، وأن المصلحة في ذلك له. والظاهر أن الطلاق لا يكون إلا بعد العقد، ولا يصح طلاق من لم يعقد عليها عينها أو قبيلتها أو البلد، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين. وقالت طائفة كبيرة، منهم مالك: يصح ذلك. والظاهر أن المسيس هنا كناية عن الجماع، وأنه إذا خلا بها ثم طلقها، لا يعقد. وعند أبي حنيفة وأصحابه: حكم الخلوة الصحيحة حكم المسيس. والظاهر أن المطلقة رجعية، إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها، ثم فارقها قبل أن يمسها، لا تتم عدتها من الطلقة الأولى، ولا تستقبل عدة، لأنها مطلقة قبل الدخول، وبه قال داود. وقال عطاء وجماعة: تمضي في عدتها عن طلاقها الأول، وهو أحد قولي الشافعي. وقال مالك: لا تبنى على العدة من الطلاق الأول، وتستأنف العدة من يوم طلقها الطلاق الثاني، وهو قول فقهاء جمهور الأمصار. والظاهر أيضاً أنها لو كانت بائناً غير مبتوتة، فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول، كالرجعية في قول داود، ليس عليها عدة، لا بقية عدة الطلاق الأول ولا استئناف عدة الثاني، ولها نصف المهر. وقال الحسن، وعطاء، وعكرمة، وابن شهاب، ومالك، والشافعي، وعثمان البتي، وزفر: لها نصف الصداق، وتتم بقية العدة الأولى. وقال الثوري، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأبو يونس: لها مهر كامل للنكاح الثاني، وعدة مستقبلة، جعلوها في حكم المدخول بها، لاعتدادها من مائة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8