الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ وَٱلْمُنَافِقِينَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَـيْكَ مِن رَبِّكَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَتَوَكَّلْ عَلَىٰ ٱللَّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } * { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } * { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { لِّيَسْأَلَ ٱلصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً }

هذه السورة مدنية. وتقدم أن نداءه، صلى الله عليه وسلم: { يأ أيها النبي } ،يا أيها الرسول } [المائدة: 41]، هو على سبيل التشريف والتكرمة والتنويه بمحله وفضيلته، وجاء نداء غيره باسمه، كقوله:يا آدم } [البقرة: 33]،يا نوح } [هود: 46]،يا إبراهيم } [هود: 76]،يا موسى } [البقرة: 55]،يا داود } [ص: 26]،يا عيسى } [آل عمران: 55]. وحيث ذكره على سبيل الأخبار عنه بأنه رسوله، صرح باسمه فقال:محمد رسول الله } [الفتح: 29]،وما محمد إلا رسول } [آل عمران: 144]، أعلم أنه رسوله، ولقنهم أن يسموه بذلك. وحيث لم يقصد الإعلام بذلك، جاء اسمه كما جاء في النداء:لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [التوبة: 128]،وقال الرسول يا رب } [الفرقان: 30]،النبي أولى بالمؤمنين } [الأحزاب: 6]، وغير ذلك من الآي. وأمره بالتقوى للمتلبس بها، أمر بالديموية عليها والازدياد منها. والظاهر أنه أمر للنبي، وإذا كان هو مأموراً بذلك، فغيره أولى بالأمر. وقيل: هو خطاب له لفظاً، وهو لأمّته.

وروي أنه لما قدم المدينة، وكان يحب إسلام اليهود، فبايعه ناس منهم على النفاق، وكان يلين لهم جانبه، وكانوا يظهرون النصائح في طرق المخادعة، ولحلفه وحرصه على ائتلافهم ربما كان يسمع منهم، فنزلت تحذيراً له منهم وتنبيهاً على عداوتهم. وروي أيضاً أن أبا سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينهم وبينه، وقام عبد الله بن أبي، ومعتب بن قشير، والجد بن قيس فقالوا له: ارفض ذكر آلهتنا وقل: إنها تشفع وتنفع، وندعك وربك؛ فشق ذلك عليه وعلى المؤمنين، وهموا بقتلهم، فنزلت. وناسب أن نهاه عن طاعة الكفار، وهم المتظاهرون به، وعن طاعة المنافقين، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر. فالسببان حاويان الطائفتين، أي: ولا تطع الكافرين من أهل مكة، والمنافقين من أهل المدينة، فيما طلبوا إليك. وروي أن أهل مكة دعوه إلى أن يرجع إلى دينهم، ويعطوه شطر أموالهم، ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته؛ وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع، فنزلت.

ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها واضحة، وهو أنه حكى أنهم يستعجلون الفتح، وهو الفصل بينهم، وأخبر تعالى أنه يوم الفتح لا ينفعهم إيمانهم، فأمره في أول هذه السورة بتقوى الله، ونهاه عن طاعة الكفار والمنافقين فيما أرادوا به. { إن الله كان عليماً حكيماً }: عليماً بالصواب من الخطأ، والمصلحة من المفسدة؛ حكيماً لا يضع الأشياء إلا مواضعها منوطة بالحكمة؛ أو عليماً حيث أمر بتقواه، وأنها تكون عن صميم القلب، حكيماً حيث نهى عن طاعة الكفار والمنافقين. وقيل: هي تسلية للرسول، أي عليماً بمن يتقي، حكيماً في هدي من شاء وإضلال من شاء. ثم أمره باتباع ما أوحي إليه، وهو القرآن، والاقتصار عليه، وترك مراسيم الجاهلية. وقرأ أبو عمرو: بما يعملون، الأولى والثانية بياء الغيبة؛ وباقي السبعة: بتاء الخطاب، فجاز في الأولى أن يكون من باب الالتفات، وجاز أن يكون مناسبة لقوله: { واتبع } ، ثم أمره بتفويض أمره إلى الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6