الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

لما قرر الأصول الثلاثة: الرسالة، وبدء الخلق، والمعاد، عاد إلى الأصل الذي بدأ به، وهو الرسالة التي ليست بدعاً في الرسالة، إذ قد سبق قبلك رسل. وذكر موسى عليه السلام، لقرب زمانه، وإلزاماً لمن كان على دينه؛ ولم يذكر عيسى، لأن معظم شريعته مستفاد من التوراة، ولأن أتباع موسى لا يوافقون على نبوته، وأتباع عيسى متفقون على نبوة موسى.

و { الكتاب }: التوراة. وقرأ الحسن: في مرية، بضم الميم، والظاهر أن الضمير عائد على موسى، مضافاً إليه على طريق المفعول، والفاعل محذوف ضمير الرسول، أي من لقائك موسى، أي في ليلة الإسراء، أي شاهدته حقيقة، وهو النبي الذي أوتي التوراة، وقد وصفه الرسول فقال: " آدم طوال جعد، كأنه من رجال شنوءة حين رآه ليلة الإسراء " ، قاله أبو العالية وقتادة وجماعة من السلف. وقال المبرد: حين امتحن الزجاج بهذه المسألة. وقيل: عائد على الكتاب، فإما مضاف إليه على طريق الفاعل والمفعول محذوف، أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه، وإما بالعكس، أي من لقاء موسى الكتاب وتلقيه. وقيل: يعود على الكتاب على تقدير مضمر، أي من لقاء مثله، أي: إنا آتيناك مثل ما آتينا موسى، ولقناك بمثل ما لقن من الوحي، فلا تك في شك من أنك لقنت مثله ولقيت نظيره، ونحوه من لقائه قوله:وإنك لتُلَقّى القرآن } [النمل: 6]. وقال الحسن: يعود على ما تضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك إن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال: ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله، فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس. انتهى، وهذا قول بعيد. وأبعد من هذا، من جعله عائداً على ملك الموت الذي تقدم ذكره، والجملة اعتراضية. وقيل: عائد على الرجوع إلى الآخرة، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: { ثم إلى ربكم ترجعون }.

{ فلا تكن في مرية لقائه }: أي من لقاء البعث، وهذه أنقال كان ينبغي أن ينزه كتابنا عن نقلها، ولكن نقلها المفسرون، فاتبعناهم. والضمير في { وجعلناه } لموسى، وهو قول قتادة. وقيل: للكتاب، جعله هادياً من الضلالة؛ وخص بني إسرائيل بالذكر، لأنه لم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل. { وجعلنا منهم }: أي من بني إسرائيل، { أئمة }: قادة يقتدى بهم. وقرأ الجمهور: { لما صبروا } ، بفتح اللام وشد الميم. وعبدالله وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، ورويس: بكسر اللام وتخفيف الميم. { وكانوا }: يحتمل أن يكون معطوفاً على { صبروا } ، فيكون داخلاً في التعليق. ويحتمل أن يكون عطفاً على { وجعلنا منهم }. وقرأ عبدالله أيضاً: بما صبروا، بباء الجر، والضمير في منهم ظاهره يعود على بني إسرائيل. والفصل: يوم القيامة يعم الخلق كلهم.

السابقالتالي
2