الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } * { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ } * { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } * { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }

هذه السورة مكية، قيل: إلا خمس آيات: { تتجافى } إلى { تكذبون }. وقال ابن عباس، ومقاتل، والكلبي: إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة: { أفمن كان مؤمناً }. قال كفار قريش: لم يبعث الله محمداً إلينا، وإنما الذي جاء به اختلاق منه، فنزلت. ولما ذكر تعالى، فيما قبلها، دلائل التوحيد من بدء الخلق، وهو الأصل الأول؛ ثم ذكر المعاد والحشر، وهو الأصل الثاني، وختم به السورة، ذكر في بدء هذه السورة الأصل الثالث، وهو تبيين الرسالة.

و { الكتاب }: القرآن. قال الحوفي: { تنزيل } مبتدأ، { ولا ريب } خبره. ويجوز أن يكون { تنزيل } خبر مبتدأ، أي هذا المتلو تنزيل، أو هذه الحروف تنزيل، و { الم } بدل على الحروف. وقال أبو البقاء: { الم } مبتدأ، و { تنزيل } خبره بمعنى المنزل، و { لا ريب فيه } حال من الكتاب، والعامل فيه تنزيل، و { من رب العالمين } متعلق بتنزيل أيضاً. ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في فيه، والعامل فيه الظرف. ويجوز أن يكون { تنزيل } مبتدأ، و { لا ريب فيه } الخبر، و { من رب العالمين } حال كما تقدم. ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل، لأن المصدر قد أخبر عنه. ويجوز أن يكون الخبر { من رب العالمين } ، و { لا ريب } حال من الكتاب، وأن يكون خبراً بعد خبر. انتهى. والذي أختاره أن يكون { تنزيل } مبتدأ، و { لا ريب } اعتراض، و { من رب العالمين } الخبر. وقال ابن عطية: { من رب العالمين } متعلق بتنزيل، ففي الكلام تقديم وتأخير؛ ويجوز أن يتعلق بقوله: { لا ريب } ، أي لا شك، من جهة الله تعالى، وإن وقع شك الكفرة، فذلك لا يراعى. والريب: الشك، وكذا هو في كل القرآن، إلا قوله:ريب المنون } [الطور: 30]. انتهى.

وإذا كان { تنزيل } خبر مبتدأ محذوف، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى غيره وبينه، لم نقل فيه: إن فيه تقديماً وتأخيراً، بل لو تأخر لم يكن اعتراضاً. وأما كونه متعلقاً بلا ريب، فليس بالجيد، لأن نفي الريب عنه مطلقاً هو المقصود، لأن المعنى: لا مدخل للريب فيه، إنه تنزيل الله، لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه، وهو الإعجاز، فهو أبعد شيء من الريب. وقولهم: { افتراه } ، كلام جاهل لم يمعن النظر، أو جاحد مستيقن أنه من عند الله، فقال ذلك حسداً، أو حكماً من الله عليه بالضلال. وقال الزمخشري: والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة، كأنه قيل: لا ريب في ذلك، أي في كونه منزلاً من رب العالمين. ويشهد لوجاهته قوله: { أم يقولون افتراه } ، لأن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين. وكذلك قوله: { بل هو الحق من ربك } ، وما فيه من تقدير أنه من الله، وهذا أسلوب صحيح محكم، أثبت أولاً أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7