الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } * { مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } * { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ }

كرر تعالى خطاب الكفار في أمر أوثانهم، فذكر أفعاله التي لا يمكن أن يدعى له فيها شريك، وهي الخلق والرزق والإماتة والإحياء، ثم استفهم على جهة التقرير لهم والتوبيخ، ثم نزه نفسه عن مقالتهم. و { الله الذي خلقكم }: مبتدأ وخبر. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون { الذي خلقكم } صفة للمبتدأ، والخبر: { هل من شركائكم }؛ وقوله: { من ذٰلكم } هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ لأن معناه: من أفعاله. انتهى. والذي ذكره النحويون أن اسم الإشارة يكون رابطاً إذا كان أشير به إلى المبتدأ. وأما { ذٰلكم } هنا فليس إشارة إلى المبتدأ، لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الربط بالمعنى، وخالفه الناس، وذلك في قوله:والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن } [البقرة: 234] ،قال التقدير: يتربصن أزواجهم، فقدر الضمير بمضاف إلى ضمير الذين، فحصل به الربط، كذلك قدر الزمخشري { من ذٰلكم }: من أفعاله المضاف إلى الضمير العائد على المبتدأ. وقال الزمخشري أيضاً: هل من شركائكم الذين اتخذتموهم أنداداً له من الأصنام وغيرها من يفعل شيئاً، قط من تلك الأفعال، حتى يصح ما ذهبتم إليه؟ فاستعمل قط في غير موضعها، لأنها ظرف للماضي، وهنا جعلها معمولة ليفعل. وقال الزمخشري أيضاً: ومن الأولى والثانية، كل واحدة مستقبلة تأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم؛ فمن الأولى للتبعيض، والجار والمجرور خبر المبتدأ؛ ومن يفعل هو المبتدأ، ومن الثانية في موضع الحال من شيء، لأنه نعت نكرة تقدم عليها فانتصب على الحال؛ ومن الثالثة زائدة لانسحاب الاستفهام الذي معناه النفي على الكلام، التقدير: من يفعل شيئاً من ذلكم، أي من تلك الأفعال.

وقرأ الجمهور: { يشركون } ، بياء الغيبة؛ والأعمش، وابن وثاب: بتاء الخطاب، والظاهر مراد ظاهر البر والبحر. وقال الحسن: وظهور الفساد فيهما بارتفاع البركات، ونزول رزايا، وحدوث فتن، وتقلب عدو كافر، وهذه الثلاثة توجد في البر والبحر. وقال ابن عباس: { الفساد في البر } ، القطاع فتسده. وقال مجاهد: { في البر } ، بقتل أحد بني آدم لأخيه، وفي البحر: بأخذ السفن غصباً، وعنه أيضاً: البر: البلاد البعيدة من البحر، والبحر: السواحل والجزر التي على ضفة البحر والأنهار. وقال قتادة: البر: الفيافي ومواضع القبائل وأهل الصحارى والعمور، والبحر: المدن، جمع بحرة، ومنه: ولقد أجمع أهل هذه البحيرة ليتوجوه، يعني قول سعد بن عبادة في عبد الله بن أبيّ ابن سلول، ويؤيد هذا قراءة عكرمة. والبحور بالجمع، ورويت عن ابن عباس، وكان قد ظهر الفساد براً وبحراً وقت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الظلم عم الأرض، فأظهر الله به الدين، وأزال الفساد، وأخمده صلى الله عليه وسلم. وقال النحاس: فيه قولان، أحدهما: ظهر الجدب في البر في البوادي وقراها والبحر، أي في مدن البحر، مثل:

السابقالتالي
2 3