الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

الضر: الشدة، من فقر، أو مرض، أو قحط، أو غير ذلك؛ والرحمة: الخلاص من ذلك الضر. { دعوا ربهم }: أفردوه بالتضرع والدعاء لينجوا من ذلك الضر، وتركوا أصنامهم لعلمهم أنه لا يكشف الضر إلا هو تعالى، فلهم في ذلك الوقت إنابة وخضوع، وإذا خلصهم من ذلك الضر، أشرك فريق ممن أخلص، وهذا الفريق هم عبدة الأصنام. قال ابن عطية: ويلحق من هذه الألفاظ شيء للمؤمنين، إذ جاءهم فرج بعد شدة، علقوا ذلك بمخلوقين، أو بحذق آرائهم، أو بغير ذلك، ففيه قلة شكر الله، ويسمى مجازاً. وقال أبو عبد الله الرازي: يقول: تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني وسبب الصنم الفلاني، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه يخلص بسبب فلان إذا كان ظاهراً، فإنه شرك خفي. انتهى. و { إذا فريق }: جواب { إذا أذاقهم } ، الأولى شرطية، والثانية للمفاجأة، وتقدم نظيره، وجاء هنا فريق، لأن قوله: { وإذا مس الناس } عام للمؤمن والكافر، فلا يشرك إلا الكافر. وضر هنا مطلق، وفي آخر العنكبوتإذا هم يشركون } [العنكبوت: 65] لأنه في مخصوصين من المشركين عباد الأصنام، والضر هناك معين، وهو ما يتخوف من ركوب البحر. { إذا هم }: أي ركاب البحر عبدة الأصنام، ويدل على ذلك ما قبله وما بعده. واللام في { ليكفروا } لام كي، أو لام الأمر للتهديد، وتقدم نظيره في آخر العنكبوت.

وقرأ الجمهور: { فتمتعوا فسوف تعلمون } ، بالتاء فيهما. وقرأ أبو العالية: فيتمتعوا، بالياء، مبنياً للمفعول، وهو معطوف على { ليكفروا }. فسوف يعلمون: بالياء، على التهديد لهم. وعن أبي العالية: فيتمتعوا، بياء قبل التاء، عطف أيضاً على { ليكفروا } ، أي لتطول أعمارهم على الكفر؛ وعنه وعن عبد الله: فليتمتعوا. وقال هارون في مصحف عبد الله: يمتعوا. { أم أنزلنا } ، أم: بمعنى بل، والهمزة للإضراب عن الكلام السابق، والهمزة للاستفهام عن الحجة استفهام إنكار وتوبيخ. والسلطان: البرهان، من كتاب أو نحوه. { فهو يتكلم }: أي يظهر مذهبهم وينطق بشركهم، والتكلم مجاز لقوله:هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق } [الجاثية: 29]. وهو يتكلم: جواب للاستفهام الذي تضمنه أم، كأنه قال: بل أنزلنا عليهم سلطاناً، أي برهاناً شاهداً لكم بالشرك، فهو يشهد بصحة ذلك، وإن قدر ذا سلطان، أي ملكاً ذا برهان، كان التكلم حقيقة.

{ وإذا أذقنا الناس رحمة }: أي نعمة، من مطر، أو سعة، أو صحة. { وإن تصبهم سيئة }: أي بلاء، من حدث، أو ضيق، أو مرض. { بما قدمت أيديهم } من المعاصي.إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } [الرعد: 11]، ففي إصابة الرحمة فرحوا وذهلوا عن شكر من أسداها إليهم، وفي إصابة البلاء قنطوا ويئسوا وذهلوا عن الصبر، ونسوا ما أنعم به عليهم قبل إصابة البلاء. و { إذا هم } جواب: { وإن تصبهم } ، يقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية الواقعة جواباً للشرط.

السابقالتالي
2 3