الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىٰ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ ٱلنَّارُ قُلْ قَدْ جَآءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

الزبر: جمع زبور، وهو الكتاب. يقال: زبرت أي كتبت، فهو بمعنى مفعول أي: مزبور، كالركوب بمعنى المركوب. وقال امرؤ القيس:
لمن طلل أبصرته فشجاني   كخط زبور في عسيب يمان
ويقال: زبرته قرأته، وزبرته حسنته، وتزبرته زجرته. وقيل: اشتقاق الزبور من الزبرة، وهي القطعة من الحديد التي تركت بحالها.

الزحزحة: التنحية والإبعاد، تكرير الزح وهو الجذب بعجلة ويقال: مكان زحزح أي بعيد.

الفوز: النجاة مما يحذر والظفر بما يؤمل، وسميت الأرض القفر البعيدة المخوف من الهلاك فيها مفازة على سبيل التفاؤل، لا من قطعها فاز. وقيل: لأنها مظنة تفويز، ومظنة هلاك. تقول العرب: فوّز الرجل مات.

{ لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } نزلت في فنحاص بن عازوراء، حاوره أبو بكر في الإسلام وأن يقرض الله قرضاً حسناً فقال: هذه المقالة فضربه أبو بكر ومنعه من قبله العهد، فشكاه إلى الرسول وأنكر ما قال، فنزلت تكذيباً لفنحاص، وتصديقاً للصديق قاله: ابن عباس، وعكرمة، والسدّي، ومقاتل، وابن إسحاق رضي الله عنهم، وساقوا القصة مطولة. وقال قتادة: نزلت في حيـي بن أخطب، وقال هو أيضاً والحسن ومعمر وغيرهم: في اليهود. وذكر أبو سليمان الدمشقي في الياس بن عمر. ولما نزلمن ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } [البقرة: 245] قال أو قالوا: إنما يستقرض الفقير الغني، والظاهر أن قائل ذلك جمع، فيمكن أن ذلك صدر من فنحاص أو حيـي أولاً، ثم تقاولها اليهود، أو صدر ذلك من واحد فقط، ونسب للجماعة على عادة كلام العرب في نسبتها إلى القبيلة فعل الواحد منها.

ومعنى لقد سمع الله: أنه لم يخف عليه تعالى مقالتهم، ومقالتهم هذه إما على سبيل الاستهزاء بما نزل من طلب الإقراض، وإما على سبيل الجدل والإلزام، لأن من طلب الإقراض كان فقيراً. وإما على الاعتقاد، ولا يستبعد ذلك من عقولهم، إذ قد حكى الله عنهموقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } [المائدة: 64] وأياماً كان من هذه الأسباب، فذلك دليل على تمردهم في الكفر والمبالغة فيه، حيث نسبوا الموجد الأشياء من العدم الصرف إلى الوجود الغني بذاته عما أوجده الوصف الدال على الافتقار لبعض ما أوجده، ونسبوا العكس إلى أنفسهم، وجاءت الجملة مؤكدة باللام مؤذنة بعلمه بمقالتهم ومؤكدة له، وحيث نسبوا إلى الله ما نسبوا، أكدوا الجملة بأن على سبيل المبالغة. وحيث نسبوا إلى أنفسهم ما نسبوا لم يؤكدوا، بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد، كأنَّ الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع، فيحتاج إلى أنْ يؤكد.

{ سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق } الظاهر إجراء الكتابة على أنها حقيقة، قال ذلك كثير من العلماء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7