الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

إيحاء الله إلى أم موسى: إلهام وقذف في القلب، قاله ابن عباس وقتادة؛ أو منام، قاله قوم؛ أو إرسال ملك، قاله قطرب وقوم، وهذا هو الظاهر لقوله: { إنّا رادُّوه إليك وجاعلوه من المرسلين }. وأجمعوا على أنها لم تكن نبية، فإن كان الوحي بإرسال ملك، كما هو الظاهر، فهو كإرساله للأقرع والأبرص والأعمى، وكما روي من تكليم الملائكة للناس. والظاهر أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة، فيكون ثم جملة محذوفة، أي ووضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه. { وأوحينا } ، و { أن } تفسيرية، أو مصدرية. وقيل: كان الوحي قبل الولادة. وقرأ عمرو بن عبد الواحد، وعمر بن عبد العزيز: أن ارضعيه، بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة، وهي الفتحة، إلى النون، كقراءة ورش.

{ فإذا خفت عليه } من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأولاد، { فألقيه في اليم }. قال الجنيد: إذا خفت حفظه بواسطة، فسلميه إلينا بإلقائه في البحر، واقطعي عنك شفقتك وتدبيرك. وزمان إرضاعه ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو ثمانية، أقوال. واليم هنا: نيل مصر. { ولا تخافي }: أي من غرقه وضياعه، ومن التقاطه، فيقتل، { ولا تحزني } لمفارقتك إياه، { إنّا رادّوه إليك } ، وعد صادق يسكن قلبها ويبشرها بحياته وجعله رسولاً، وقد تقدم في سورة طه طرف من حديث التابوت ورميه في اليم وكيفية التقاطه، فأغنى عن إعادته. واستفصح الأصمعي امرأة من العرب أنشدت شعراً فقالت: أبعد قوله تعالى { وأوحينا إلى أم موسى } الآية، فصاحة؟ وقد جمع بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.

{ فالتقطه آل فرعون }: في الكلام حذف تقديره: ففعلت ما أمرت به من إرضاعه ومن إلقائه في اليم. واللام في { ليكون } للتعليل المجازي، لما كان مآل التقاطه وتربيته إلى كونه عدواً لهم { وحزناً } ، وإن كانوا لم يلتقطوه إلا للتبني، وكونه يكون حبيباً لهم، ويعبر عن هذه اللام بلام العاقبة وبلام الصيرورة. وقرأ الجمهور: وحزناً، بفتح الحاء والزاي، وهي لغة قريش. وقرأ ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وابن سعدان: بضم الحاء وإسكان الزاي. والخاطىء: المتعمد الخطأ، والمخطىء: الذي لا يتعمده. واحتمل أن يكون في الكلام حذف، وهو الظاهر، أي فكان لهم عدواً وحزناً، أي لأنهم كانوا خاطئين، لم يرجعوا إلى دينه، وتعمدوا الجرائم والكفر بالله. وقال المبرد: خاطئين على أنفسهم بالتقاطه. وقيل: بقتل أولاد بني إسرائيل. وقيل: في تربية عدوّهم.

وأضيف الجند هنا وفيما قبل إلى فرعون وهامان، وإن كان هامان لا جنود له، لأن أمر الجنود لا يستقيم إلا بالملك والوزير، إذ بالوزير تحصل الأموال، وبالملك وقهره يتوصل إلى تحصيلها، ولا يكون قوام الجند إلا بالأموال. وقرىء: خاطيين، بغير همز، فاحتمل أن يكون أصله الهمز.

السابقالتالي
2