الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } * { وَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ } * { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ } * { فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ } * { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار، ذكر شيئاً من أحوال يوم القيامة، أي واذكر حالهم يوم يناديهم الله، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة؛ { فيقول أين شركائي }؟ أي على زعمكم، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع؛ والشركاء هم من عبدوه من دون الله، من ملك، أو جنّ، أو إنس، أو كوكب، أو صنم، أو غير ذلك. ومفعولا { تزعمون } محذوفان، أحدهما العائد على الموصول، والتقدير: تزعمونهم شركاء. ولما كان هذا السؤال مسكتاً لهم، إذ تلك الشركاء التي عبدوها مفقودون، هم أوجدوهم وفي الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي.

{ قال الذين حق عليهم القول }: أي الشياطين، وأئمة الكفر ورؤوسه؛ وحق: أي وجب عليهم القول، أي مقتضاه، وهو قوله:لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } [هود: 119، السجدة: 13]. و { هٰؤلاء }: مبتدأ، و { الذين أغوينا }: هم صفة، و { أغويناهم كما غوينا }: الخبر، و { كما غوينا }: صفة لمطاوع أغويناهم، أي فغووا كما غوينا، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا. وهذا الإعراب قاله الزمخشري. وقال أبو عليّ: ولا يجوز هذا الوجه، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ. قال: فإن قلت: قد وصلت بقوله: { كما غوينا } ، وفيه زيادة. قيل: الزيادة بالظرف لا تصيره أصلاً في الجملة، لأن الظروف صلات، وقال هو: { الذين أغوينا } هو الخبر، و { أغويناهم }: مستأنف. وقال غير أبي علي: لا يمتنع الوجه الأول، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم، كقولك: زيد عمرو قائم في داره. انتهى. والمعنى: هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان، كما آثرناه نحن، ونحن كنا السبب في كفرهم، فقبلوا منا. وقرأ أبان، عن عاصم وبعض الشاميين: كما غوينا، بكسر الواو. قال ابن خالويه: وليس ذلك مختاراً، لأن كلام العرب: غويت من الضلالة، وغويت من البشم. ثم قالوا: { تبرأنا إليك } ، منهم ما كانوا يعبدوننا، إنما عبدوا غيرنا، و { إيانا }: مفعول { يعبدون } ، لما تقدّم الفصل، وانفصاله لكون يعبدون فاصلة، ولو اتصل، ثم لم يكن فاصلة. وقال الزمخشري: إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم؛ وإخلاء الجملتين من العاطف، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى. انتهى.

{ وقيل ادعوا شركاءكم }: لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب، سئلوا ثانياً فقيل: ادعوا شركاءكم، وأضاف الشركاء إليهم، أي الذين جعلتموهم شركاء لله. وقوله: { ادعوا شركاءكم } ، على سبيل التهكم بهم، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم، { فدعوهم } ، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضاً، إذ لم يعلموا أن من كان موجوداً منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم، والضمير في { ورأوا }. قال الضحاك ومقاتل: هو للتابع والمتبوع، وجواب لو محذوف، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا، ما رأوا العذاب في الآخرة.

السابقالتالي
2 3 4