الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } * { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قرأ الجمهور: { وصّلنا } ، مشدد الصاد؛ والحسن: بتخفيفها، والضمير في لهم لقريش. وقال رفاعة القرظي: نزلت في عشرة من اليهود، أنا أحدهم. قال الجمهور: وصلنا: تابعنا القرآن موصولاً بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام. وقال الحسن: وفي ذكر الأمم المهلكة. وقال مجاهد: جعلناه أوصالاً من حيث كان أنواعاً من القول في معان مختلفة. وقال ابن زيد: وصلنا لهم خبر الآخرة بخبر الدنيا، حتى كأنهم عاينوا الآخرة. وقال الأخفش: أتممنا لوصلك الشيء بالشيء، وأصل التوصل في الحبل، يوصل بعضه ببعض. وقال الشاعر:
فقل لبني مروان ما بال ذمتي   بحبل ضعيف لا يزال يوصل
وهذه الأقوال معناها: توصيل المعاني فيه بها إليهم. وقالت فرقة: التوصيل بالنسبة إلى الألفاظ، أي وصلنا لهم قولاً معجزاً دالاً على نبوتك. وأهل الكتاب هنا جماعة من اليهود أسلمت، وكان الكفار يؤذونهم. أو بحيرا الراهب، أو النجاشي، أو سلمان الفارسي. وابن سلام، وأبو رفاعة، وابنه في عشرة من اليهود أسلموا. أو أربعون من أهل الإنجيل كانوا مؤمنين بالرسول قبل مبعثه، اثنان وثلاثون من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب، وثمانية قدموا من الشام: بحيرا، وأبرهة، وأشرف، وأربد، وتمام، وإدريس، ونافع، وراد أو ابن سلام، وتميم الداري، والجارود العبدي، وسلمان، سبعة أقوال آخرها لقتادة. والظاهر أنها أمثلة لمن آمن منهم، والضمير في به عائد على القول، وهو القرآن. وقال الفراء: عائد على الرسول، وقال أيضاً: إن عاد على القرآن، كان صواباً، لأنهم قد قالوا: إنه الحق من ربنا. انتهى.

{ إنه الحق من ربنا }: تعليل للإيمان به، لأن كونه حقاً من الله حقيق بأن نؤمن به. { إنا كنا من قبله مسلمين }: بيان لقوله: { آمنا به } ، أي إيماننا به متقادم، إذ كان الآباء الأقدمون إلى آبائنا قرأوا ما في الكتاب الأول، وأعلموا بذلك الأبناء، فنحن مسلمون من قبل نزوله وتلاوته علينا، والإسلام صفة كل موحد مصدق بالوحي. وإيتاء الأجر مرتين، لكونه آمن بكتابه وبالقرآن؛ وعلل ذلك بصبرهم: أي على تكاليف الشريعة السابقة لهم، وهذه الشريعة وما يلقون من الأذى. وفي الحديث: " ثلاثة يؤتيهم الله أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي " ، الحديث. { ويدرأون }: يدفعون، { بالحسنة }: بالطاعة، { السيئة }: المعصية المتقدمة، أو بالحلم الأذى، وذلك من مكارم الأخلاق. وقال ابن مسعود: يدفعون بشهادة أن لا إله إلاّ الله الشرك. وقال ابن جبير: بالمعروف المنكر. وقال ابن زيد: بالخير الشر. وقال ابن سلام: بالعلم الجهل، وبالكظم الغيظ. وفي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم، لمعاذ: " أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن "

السابقالتالي
2