الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَٱسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وأصبح }: أي صار فارغاً من العقل، وذلك حين بلغها أنه وقع في يد فرعون، فدهمها أمر مثله لا يثبت معه العقل، لا سيما عقل امرأة خافت على ولدها حتى طرحته في اليم، رجاء نجاته من الذبح؛ هذا مع الوحي إليها أن الله يرده إليها ويجعله رسولاً، ومع ذلك فطاش لبها وغلب عليها ما يغلب على البشر عند مفاجأة الخطب العظيم، ثم استكانت بعد ذلك لموعود الله. وقرأ أحمد بن موسى، عن أبي عمر وفؤاد: بالواو. وقال ابن عباس: فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى. وقال مالك: هو ذهاب العقل. وقالت فرقة: فارغاً من الصبر. وقال ابن زيد: فارغاً من وعد الله ووحيه إليها، تناسته من الهم. وقال أبو عبيدة: فارغاً من الحزن، إذ لم يغرق، وهذا فيه بعد، وتبعده القراءات الشواذ التي في اللفظة. وقرأ فضالة بن عبيد، والحسن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير: فزعاً، بالزاي والعين المهملة، من الفزع، وهو الخوف والقلق؛ وابن عباس: قرعاً، بالقاف وكسر الراء وإسكانها، من قرع رأسه، إذا انحسر شعره، كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى. وقيل: قرعاً، بالسكون، مصدر، أي يقرع قرعاً من القارعة، وهي الهم العظيم. وقرأ بعض الصحابة: فزغاً، بالفاء مكسورة وسكون الزاي والغين المنقوطة، ومعناه: ذاهباً هدراً تالفاً من الهم والحزن. ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال:
فإن يك قتلي قد أصيْبت نفوسهم   فلن تذهبوا فزغاً بقتل حبال
أي: بقتل حبال فزغاً، أي هدراً لا يطلب له بثأر ولا يؤخذ. وقرأ الخليل بن أحمد: فرغاً، بضم الفاء والراء. { إن كادت لتبدي به }: هي إن المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة. وقيل: إن نافية، واللام بمعنى إلاّ، وهذا قول كوفي، والإبداء: إظهار الشيء. والظاهر أن الضمير في به عائد على موسى عليه السلام، فقيل: الباء زائدة، أي: لتظهره. وقيل: مفعول تبدي محذوف، أي لتبدي القول به، أي بسببه وأنه ولدها. وقيل: الضمير في به للوحي، أي لتبدي بالوحي. وقال ابن عباس: كادت تصيح عند إلقائه في البحر وا ابناه. وقيل: عند رؤيتها تلاطم الأمواج به { لولا أن ربطنا على قلبها }. قال قتادة: بالإيمان. وقال السدي: بالعصمة. وقال الصادق: باليقين. وقال ابن عطاء: بالوحي، و { لتكون من المؤمنين }. فعلنا ذلك، أي المصدقين بوعد الله، وأنه كائن لا محالة. والربط على القلب كناية عن قراره وإطمئنانه، شبه بما يربط مخافة الانفلات.

وقال الزمخشري: ويجوز: وأصبح فؤادها فارغاً من الهم حين سمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه. { إن كادت لتبدي } بأنه ولدها، لأنها لم تملك نفسها فرحاً وسروراً بما سمعت، لولا أنا طمأنا قلبها وسكّنّا قلقه الذي حدث به من شدة الفرح والابتهاج.

السابقالتالي
2 3