الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } * { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } * { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } * { قَالُواْ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

الحديقة: البستان، كان عليه جدار أو لم يكن. الحاجز: الفاصل بين الشيئين. الفوج: الجماعة. الجمود: سكون الشيء وعدم حركته. الإتقان: الإتيان بالشيء على أحسن حالاته من الكمال والإحكام في الخلق، وهو مشتق من قول العرب: تقنوا أرضهم إذا أرسلوا فيها الماء الخاثر بالتراب فتجود، والتقن: ما رمي به الماء في الغدير، وهو الذي يجيء به الماء من الخثورة. كببت الرجل: ألقيته لوجهه.

{ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون، قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون، قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون، وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون، ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون، وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون }.

ثمود هي عاد الأولى، وصالح أخوهم في النسب. لما ذكر قصة موسى وداود وسليمان، وهم من بني إسرائيل، ذكر قصة من هو من العرب، يذكر بها قريشاً والعرب، وينبههم أن من تقدم من الأنبياء من العرب كان يدعو إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، ليعلموا أنهم في عبادة الأصنام على ضلالة، وأن شأن الأنبياء عربهم وعجمهم هو الدعاء إلى عبادة الله، وإن في: { أن اعبدوا } يجوز أن تكون مفسرة، لأن { أرسلنا } تتضمن معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية، أي بأن اعبدوا، فحذف حرف الجر، فعلى الأول لا موضع لها من الإعراب، وعلى الثاني ففي موضعها خلاف، أهو في موضع نصب أم في موضع جر؟ والظاهر أن الضمير في { فإذا هم } عائد على { ثمود } ، وأن قومه انقسموا فريقين: مؤمناً وكافراً، وقد جاء ذلك مفسراً في سورة الأعراف في قوله:قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم } [الأعراف: 75]. وقال الزمخشري: أريد بالفريقين: صالح وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد. انتهى. فجعل الفريق الواحد هو صالح، والفريق الآخر قومه، وإذا هنا هي الفجائية، وعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب لا المهلة، فكان المعنى: أنهم بادروا بالاختصام، متعقباً دعاء صالح إياهم إلى عبادة الله. وجاء { يختصمون } على المعنى، لأن الفريقين جمع، فإن كان الفريقان من آمن ومن كفر، فالجمعية حاصلة في كل فريق، ويدل على أن فريق المؤمن جمع قوله:إنا بالذي آمنتم به كافرون } [الأعراف: 76] فقال: آمنتم، وهو ضمير الجمع. وإن كان الفريق المؤمن هو صالح وحده، فإنه قد انضم إلى قومه، والمجموع جمع، وأوثر يختصمون على يختصمان، وإن كان من حيث التثنية جائزاً فصيحاً، لأنه مقطع فصل، واختصامهم دعوى كل فريق أن الحق معه، وقد ذكر الله تخاصمهم في سورة الأعراف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6