الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ } * { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ } * { إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } * { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ } * { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } * { ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } * { قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ }

الظاهر أنه تفقد جميع الطير، وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك والاهتمام بالرعايا. قيل: وكان يأتيه من كل صنف واحد، فلم ير الهدهد. وقيل: كانت الطير تظله من الشمس، وكان الهدهد يستر مكانه الأيمن، فمسته الشمس، فنظر إلى مكان الهدهد، فلم يره. وعن عبد الله بن سلام: أن سليمان عليه السلام نزل بمفازة لا ماء فيها، وكان الهدهد يرى ظاهر الأرض وباطنها، وكان يخبر سليمان بذلك، فكانت الجن تخرجه في ساعة تسلخ الأرض كما تسلخ الشاة، فسأل عنه حين حلوا تلك المفازة، لاحتياجهم إلى الماء. وفي قوله { وتفقد الطير } دلالة على تفقد الإمام أحوال رعيته والمحافظة عليهم. وقال عمر رضي الله عنه: لو أن سخلة على شاطىء الفرات أخذها الذئب لسئل عنها عمر، وفي الكلام محذوف، أي فقد الهدهد حين تفقد الطير.

قال ابن عطية وقوله: { ما لي لا أرى الهدهد } ، مقصد الكلام الهدهد، غاب ولكنه أخذ اللازم عن مغيبه، وهو أن لا يراه، فاستفهم على جهة التوقيف عن اللازم، وهذا ضرب من الإيجاز والاستفهام الذي في قوله: { ما لي } ، ناب مناب الألف التي تختلجها أم. انتهى. فظاهر هذا الكلام أن أم متصلة، وأن الاستفهام الذي في قوله: ما لي، ناب مناب ألف الاستفهام، فمعناه عنده: أغاب عني الآن فلم أره حالة التفقد؟ أم كان ممن غاب قبل ولم أشعر بغيبته؟ وقال الزمخشري: أم هي المنقطعة، نظر إلى مكان الهدهد فلم يبصره فقال: { ما لي لا أرى الهدهد }؟ على معنى: أنه لا يراه، وهو حاضر، لساتر ستره أو غير ذلك، ثم لاح له أنه غائب، فأضرب عن ذلك وأخذ يقول: أهو غائب؟ كأنه سأل صحة ما لا ح له، ونحوه قولهم: إنها لإبل أم شاء؟ انتهى. والصحيح أن أم في هذا هي المنقطعة، لأن شرط المتصلة تقدم همزة الاستفهام، فلو تقدمها أداة الاستفهام غير الهمزة، كانت أم منقطعة، وهنا تقدم ما، ففات شرط المتصلة. وقيل: يحتمل أن تكون من المقلوب وتقديره: ما للهدهد لا أراه؟ ولا ضرورة إلى ادعاء القلب. وفي الكشاف، أن سليمان لما تم له بناء بيت المقدس، تجهز للحج، فوافى الحرم وأقام به ما شاء، ثم عزم على المسير إلى اليمن، فخرج من مكة صباحاً يؤم سهيلاً، فوافى صنعاء وقت الزوال، وذلك مسيرة شهر، فرأى أرضاً حسناء أعجبته خضرتها، فنزل ليتغدى ويصلي، فلم يجد الماء، وكان الهدهد يأتيه، وكان يرى الماء من تحت الأرض. وذكر أنه كان الجن يسلخون الأرض حتى يظهر الماء.

{ لأعذبنه عذاباً شديداً }: أبهم العذاب الشديد، وفي تعيينه أقوال متعارضة، والأجود أن يجعل أمثلة. فعن ابن عباس، ومجاهد، وابن جريج: نتف ريشه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9