الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } * { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } * { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } * { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } * { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } * { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } * { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } * { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } * { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } * { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

تقدم الخلاف في { أسر } ، وأنه قرىء بوصل الهمزة وبقطعها في سورة هود. وقرأ اليماني: أن سر، أمر من سار يسير. أمر الله موسى عليه السلام أن يخرج ببني إسرائيل ليلاً من مصر إلى تجاه البحر، وأخبره أنهم سيتبعون. فخرج سحراً، جاعلاً طريق الشام على يساره، وتوجه نحو البحر، فيقال له في ترك الطريق، فيقول: هكذا أمرت. فلما أصبح، علم فرعون بسري موسى ببني إسرائيل، فخرج في أثرهم، وبعث إلى مدائن مصر ليحلقه العساكر. وذكروا أعداداً في أتباع فرعون وفي بني إسرائيل، الله أعلم بصحة ذلك. { إن هؤلاء لشرذمة }: أي قال إن هؤلاء وصفهم بالقلة، ثم جمع القليل فجعل كل حزب قليلاً، جمع السلامة الذي هو للقلة، وقد يجمع القليل على أقلة وقلل، والظاهر تقليل العدد. قال الزمخشري: ويجوز أن يريد بالقلة: الذلة والقماءة، ولا يريد قلة العدد، والمعنى: أنهم لقلتهم لا يبالي بهم ولا تتوقع غفلتهم، ولكنهم يفعلون أفعالاً تغيظنا وتضيق صدورنا، ونحن قوم من عادتنا التيقظ والحذر واستعمال الحزم في الأمور، فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى حسم يساره، وهذه معاذير اعتذر بها إلى أهل المدائن، لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه. انتهى. قال أبو حاتم: وقرأ من لا يؤخذ عنه: { لشرذمة قليلون } ، وليست هذه موقوفة. انتهى. يعني أن هذه القراءة ليست موقوفة على أحد رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: { لغائظون }: أي بخلافهم وأخذهم الأموال حين استعاروها ولم يردوها، وخرجوا هاربين. وقرأ الكوفيون، وابن ذكوان، وزيد بن علي: { حاذرون } ، بالألف، وهو الذي قد أخذ يحذر ويجدد حذره، وحذر متعد. قال تعالى:يحذر الآخرة } [الزمر: 9]. وقال العباس بن مرداس:
وإني حاذر أنمي سلاحي   إلى أوصال ذيال صنيع
وقرأ باقي السبعة: بغير ألف وهو المتيقظ. وقال الزجاج: مؤدون، أي ذوو أدوات وسلاح، أي متسلحين. وقيل: حذرون في الحال، وحاذرون في المآل. وقال الفراء: الحاذر: الخائف ما يرى، والحذر: المخلوق حذراً. وقال أبو عبيدة: رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد. وذهب سيبويه إلى أن حذراً يكون للمبالغة، وأنه يعمل كما يعمل حاذر، فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أموراً لا تضير وآمن   ما ليس منجيه من الأقدار
وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو. وعن الفراء أيضاً، والكسائي: رجل حذر، إذا كان الحذر في خلقته، فهو متيقظ منتبه. وقرأ سميط بن عجلان، وابن أبي عمار، وابن السميفع: حاذرون، بالدال المهملة من قولهم: عين حدرة، أي عظيمة، والحادر: المتورم. قال ابن عطية: فالمعنى ممتلئون غيظاً وأنفة. وقال ابن خالوية: الحادر: السمين القوي الشديد، يقال غلام حدر بدر.

السابقالتالي
2 3 4