الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } * { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } * { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } * { قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } * { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } * { قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } * { قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } * { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } * { قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

ويروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون، ولم يؤذن لهما سنة، حتى قال البواب: إن هنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين، فقال له: ائذن له لعلنا نضحك منه. فأديا إليه الرسالة، فعرف موسى فقال له: { ألم نر بك فينا وليداً } وفي الكلام حذف يدل عليه المعنى تقديره: فأتيا فرعون، فقالا له ذلك. ولما بادهه موسى بأنه رسول رب العالمين، وأمره بإرسال بني إسرائيل معه، أخذ يستحقره ويضرب عن المرسل وعما جاء به من عنده، ويذكره بحالة الصغر والمنّ عليه بالتربية. والوليد الصبي، وهو فعيل بمعنى مفعول، أطلق ذلك عليه لقربه من الولادة. وقرأ أبو عمرو في رواية: من عمرك، بإسكان الميم، وتقدم ذكر الخلاف في كمية هذه السنين في طه. وقرأ الجمهور: فعلتك، بفتح الفاء، إذ كانت وكزة واحدة، والشعبي: بكسر الفاء، يريد الهيئة، لأن الوكزة نوع من القتل. عدد عليه نعمة التربية ومبلغه عنده مبلغ الرجال، حيث كان يقتل نظراءه من بني إسرائيل، وذكره ما جرى على يده من قتل القبطي، وعظم ذلك بقوله: { وفعلت فعلتك التي فعلت } ، لأن هذا الإبهام، بكونه لم يصرح أنها القتل، تهويل للواقعة وتعظيم شأن. { وأنت من الكافرين }: يجوز أن يكون حالاً، أي قتلته وأنت إذ ذاك من الكافرين، فافترى فرعون بنسبة هذه الحال إليه إذ ذاك، والأنبياء عليهم السلام معصومون. ويجوز أن يكون إخباراً مستأنفاً من فرعون، حكم عليه بأنه من الكافرين بالنعمة التي لي عليك من التربية والإحسان، قاله ابن زيد؛ أو من الكافرين بي في أنني إلهك، قاله الحسن؛ أو من الكافرين بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه الآن، قاله السدي.

{ قال فعلتها إذاً }: إجابة موسى عن كلامه الأخير المتضمن للقتل، إذ كان الاعتذار فيه أهم من الجواب في ذكر النعمة بالتربية، لأنه فيه إزهاق النفس. قال ابن عطية: إذن صلة في الكلام وكأنها بمعنى حينئذ. انتهى. وليس بصلة، بل هي حرف معنى. وقوله وكأنها بمعنى حينئذ، ينبغي أن يجعل قوله تفسير معنى، إذ لا يذهب أحد إلى أن إذن ترادف من حيث الإعراب حينئذ. وقال الزمخشري: فإن قلت: إذاً جواب وجزاء معاً، والكلام وقع جواباً لفرعون، فكيف وقع جزاء؟ قلت: قول فرعون: { وفعلت فعلتك } فيه معنى: إنك جازيت نعمتي بما فعلت؛ فقال له موسى: نعم فعلتها، مجازياً لك تسليماً لقوله، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء. انتهى. وهذا الذي ذكره من أن إذاً جواب وجزاء معاً، هو قول سيبويه، لكن الشراح فهموا أنها قد تكون جواباً وجزاء معاً، وقد تكون جواباً فقط دون جزاء. فالمعنى اللازم لها هو الجواب، وقد يكون مع ذلك جزاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7