الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } * { عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ } * { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } * { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ ٱلأَعْجَمِينَ } * { فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } * { كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ } * { ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ } * { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ } * { ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ }

الضمير في: { وإنه } عائد على القرآن، أي إنه ليس بكهانة ولا سحر، بل هو من عند الله، وكأنه عاد أيضاً إلى ما افتتح به السورة من إعراض المشركين عما يأتيهم من الذكر، ليتناسب المفتتح والمختتم. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو، وحفص: { نزل } مخففاً، و { الروح الأمين }: مرفوعان؛ وباقي السبعة: بالتشديد ونصبهما. والروح هنا: جبريل عليه السلام، وقد تقدم في سورة مريم لم أطلق عليه الروح، وبه قال ابن عطية: في موضع الحال كقوله:وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به } [المائدة: 61]. انتهى. والظاهر تعلق { على قلبك } و { لتكون } بنزل، وخص القلب والمعنى عليك، لأنه محل الوعي والتثبيت، وليعلم أن المنزل على قلبه عليه السلام محفوظ، لا يجوز عليه التبديل ولا التغيير، وليكون علة في التنزيل أو النزول اقتصر عليها، لأن ذلك أزجر للسامع، وإن كان القرآن نزل للإنذار والتبشير. والظاهر تعلق { بلسان } بنزل، فكان يسمع من جبريل حروفاً عربية. قال ابن عطية، وهو القول الصحيح: وتكون صلصلة الجرس صفة لشدة الصوت وتداخل حروفه وعجلة مورده وإغلاظه. ويمكن أن يتعلق بقوله: { لتكون } ، وتمسك بهذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم، كان يسمع أحياناً مثل صلصلة الجرس، يتفهم له منه القرآن، وهو مردود. انتهى. وقال الزمخشري: { بلسان } ، إما أن يتعلق بالمنذرين، فيكون المعنى: لتكون من الذين أنذروا بهذا اللسان، وهم خمسة: هود، وصالح، وشعيب، وإسماعيل، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم؛ وإما أن يتعلق بنزل، فيكون المعنى: نزله باللسان العربي المبين لتنذر به، لأنه لو نزله باللسان الأعجمي، لتجافوا عنه أصلاً وقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه؟ فيتعذر الإنذار به. وفي هذا الوجه، إن تنزيله بالعربية التي هي لسانك ولسان قومك، تنزيل له على قلبك، لأنك تفهمه ويفهمه قومك. ولو كان أعجمياً، لكان نازلاً على سمعك دون قلبك، لأنك تسمع أجراس حروف لا تفهم معانيها ولا تعيها، وقد يكون الرجل عارفاً بعدة لغات، فإذا كلم بلغتها التي لقنها أولاً ونشأ عليها وتطبع بها، لم يكن قلبه إلا إلى معاني تلك الكلم يتلقاها بقلبه، ولا يكاد يفطن للألفاظ كيف جرت. وإن كلم بغير تلك اللغة، وإن كان ماهراً بمعرفتها، كان نظره أولاً في ألفاظها، ثم في معانيها. فهذا تقرير أنه نزل على قلبه لنزوله بلسان عربي مبين. انتهى. وفيه تطويل.

{ وإنه } ، أي القرآن، { لفي زبر الأولين }: أي مذكور في الكتب المنزلة القديمة، منبه عليه مشار إليه. وقيل: إن معانيه فيها، وبه يحتج لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة، على أن القرآن قرآن إذا ترجم بغير العربية، حيث قيل: { وإنه لفي زبر الأولين } ، لكون معانيه فيها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7