الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } * { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } * { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } * { وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ } * { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ } * { وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } * { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

كان أخاهم من النسب، وكان تاجراً جميلاً، أشبه الخلق بآدم عليه السلام، عاش أربعمائة سنة وأربعاً وستين سنة، وبينه وبين ثمود مائة سنة. وكانت منازل عاد ما بين عمان إلى حضرموت. أمرع البلاد، فجعلها الله مفاوز ورمالاً. أمرهم أولاً أمر به نوح قومه، ثم نعى عليهم من سوء أعمالهم مع كفرهم فقال: { أتبنون بكل ريع }؟ قال ابن عباس: هو رأس الزقاق. وقال مجاهد: فج بين جبلين. وقال عطاء: عيون فيها الماء. وقال ابن بحر: جبل. وقيل: الثنية الصغيرة. وقرأ الجمهور: ريع بكسر الراء، وابن أبي عبلة: بفتحها. قال ابن عباس: { آية }: علماً. وقال مجاهد: أبراج الحمام. وقال النقاش وغيره: القصور الطوال. وقيل: بيت عشار. وقيل: نادياً للتصلف. وقيل: أعلاماً طوالاً ليهتدوا بها في أسفارهم، عبثوا بها لأنهم كانوا يهتدون بالنجوم. وقيل: علامة يجتمع إليها من يعبث بالمار في الطريق. وفي قوله إنكار للبناء على صورة العبث، كما يفعل المترفون في الدنيا. والمصانع: جمع مصنعة. قيل: وهي البناء على الماء. وقيل: القصور المشيدة المحكمة. وقيل: الحصون. وقال قتادة: برك الماء. وقيل: بروج الحمام. وقيل: المنازل. واتخذ هنا بمعنى عمل، أي وتعملون مصانع، أي تبنون. وقال لبيد:
وتبقى جبـال بعـدنـا ومصـانع   
{ لعلكم تخلدون }: الظاهر أن لعل على بابها من الرجاء، وكأنه تعليل للبناء والاتخاذ، أي الحامل لكم على ذلك هو الرجاء للخلود ولا خلود. وفي قراءة عبد الله: كي تخلدون، أو يكون المعنى يشبه حالكم حال من يخلد، فلذلك بنيتم واتخذتم. وقال ابن زيد: معناه الاستفهام على سبيل التوبيخ والهزء بهم، أي هل أنتم تخلدون: وكون لعل للاستفهام مذهب كوفي. وقال ابن عباس: المعنى كأنكم خالدون، وفي حرف أبي: كأنكم تخلدون. وقرىء: كأنكم خالدون. وقرأ الجمهور: تخلدون، مبنياً للفاعل؛ وقتادة: مبنياً للمفعول. ويقال: خلد الشيء وأخلده: غيره. وقرأ أبيّ، وعلقمة، وأبو العالية، مبنياً للمفعول مشدداً، كما قال الشاعر:
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد   قليل الهموم ما يبيت بأوجال
{ وإذا بطشتم }: أي أردتم البطش، وحمل على الإرادة لئلا يتحد الشرط وجوابه، كقوله:
متـى تبعثوهـا تبعثوهـا ذميمـة   
أي متى أردتم بعثها. قال الحسن: بادروا تعذيب الناس من غير تثبت ولا فكر في العواقب. وقيل: المعنى أنكم كفار الغضب، لكم السطوات المفرطة والبوادر. فبناء الأبنية العالية تدل على حب العلو، واتخاذ المصانع رجاء الخلود يدل على البقاء، والجبارية تدل على التفرد بالعلو، وهذه صفات الإلهية، وهي ممتنعة الحصول للعبد. ودل ذلك على استيلاء حب الدنيا عليهم بحيث خرجوا عن حد العبودية، وحب الدنيا رأس كل خطيئة. ولما نبههم ووبخهم على أفعالهم القبيحة، أمرهم ثانياً بتقوى الله وطاعة نبيه.

السابقالتالي
2 3