الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً } * { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } * { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } * { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } * { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } * { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً }

لما تقدم تكذيب قريش والكفار لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر تعالى ما فيه تسلية للرسول وإرهاب للمكذبين وتذكير لهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من هلاك الاستئصال لما كذبوا رسلهم، فناسب أن ذكر أولاً من نزل عليه كتابه جملة واحدة ومع ذلك كفروا وكذبوا به فكذلك هؤلاء لو نزل عليه القرآن دفعة لكذبوا وكفروا كما كذب قوم موسى.

و { الكتاب } هنا التوراة و { هارون } بدل أو عطف بيان، واحتمل أن يكون معه المفعول الثاني لجعلنا. وأن يكون { وزيراً } والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان في الزمان الواحد أنبياء يوازر بعضهم بعضاً، والمذهوب إليهم القبط وفرعون. وفي الكلام حذف أي فذهبا وأديا الرسالة فكذبوهما { فدمرناهم } والتدمير أشد الإهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه. وقصة موسى ومن أرسل إليه ذكرت منتهية في غير ما موضع وهنا اختصرت فأوجز بذكر أولها وآخرها لأنه بذلك يلزم الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم.

وقرأ عليّ والحسن ومسلمة بن محارب: فدمراهم على الأمر لموسى وهارون، وعن عليّ أيضاً: كذلك إلاّ أنه مؤكد بالنون الشديدة. وعنه أيضاً فدمرا أمراً لهما بهم بباء الجر، ومعنى الأمر كوناً سبب تدميرهم.

وانتصب { وقوم نوح } على الاشتغال وكان النصب أرجح لتقدم الجمل الفعلية قبل ذلك، ويكون { لما } في هذا الإعراب ظرفاً على مذهب الفارسي. وأما إن كانت حرف وجوب لوجوب فالظاهر أن { أغرقناهم } جواب لما فلا يفسر ناصباً لقوم فيكون معطوفاً على المفعول في { فدمرناهم } أو منصوباً على مضمر تقديره اذكر. وقد جوز الوجوه الثلاثة الحوفي.

{ لما كذبوا الرسل } كذبوا نوحاً ومن قبله أو جعل تكذيبهم لنوح تكذيباً للجميع، أو لم يروا بعثه الرسل كالبراهمة والظاهر عطف { وعاداً } على و { قوم }. وقال أبو إسحاق: يكون معطوفاً على الهاء والميم في { وجعلناهم للناس آية }. قال: ويجوز أن يكون معطوفاً على { الظالمين } لأن التأويل وعدنا الظالمين بالعذاب ووعدنا { عاداً وثموداً }. وقرأ عبد الله وعمرو بن ميمون والحسن وعيسى وثمود غير مصروف. { وأصحاب الرس }. قال ابن عباس: هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير. وقال قتادة: أهل قرية من اليمامة يقال لها الرس والفلج. قيل: قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح. وقال كعب ومقاتل والسدّي بئر بإنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار. وقيل: قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه.

وقال وهب والكلبي { أصحاب الرس } وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قوماً من عبَدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية.

السابقالتالي
2 3 4 5