الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ }

لما ذكر تعالى حالة الإيمان والمؤمنين وتنويره قلوبهم ووصفهم بما وصفهم من الأعمال النافعة في الآخرة أعقب ذلك بذكر مقابلهم الكفرة وأعمالهم، فمثل لهم ولأعمالهم مثلين أحدهما يقتضي بطلان أعمالهم في الآخرة وأنهم لا ينتفعون بها. والثاني يقتضي حالها في الدنيا من ارتباكها في الضلال والظلمة شبه أولاً أعمالهم في اضمحلالها وفقدان ثمرتها بسراب في مكان منخفض ظنه العطشان ماء فقصده وأتعب نفسه في الوصول إليه. { حتى إذا جاءه } أي جاء موضعه الذي تخيله. فيه { لم يجده شيئاً } أي فقده لأنه مع الدنو لا يرى شيئاً. كذلك الكافر يظن أن عمله في الدنيا نافعه حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم ينفعه عمله بل صار وبالاً عليه.

وقرأ مسلمة بن محارب: بقيعات بتاء ممطوطة جمع قيعة كديمات وقيمات في ديمة وقيمة، وعنه أيضاً بتاء شكل الهاء ويقف عليها بالهاء فيحتمل أن يكون جمع قيعة، ووقف بالهاء على لغة طيء كما قالوا البناه والأخواه في الوقف على البنات والأخوات. قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يريد قيعة كالعامة أي كالقراءة العامة، لكنه أشبع الفتحة فتولدت منها الألف مثل مخر نبق لينباع. وقال الزمخشري: وقد جعل بعضهم بقيعات بتاء ممدودة كرجل عزهاة. وقال صاحب اللوامح: ويجوز أنه جعله مثل سعلة وسعلاة وليلة وليلاة، والقيعة مفرد مرادف للقاع أو جمع قاع كنار ونيرة، فتكون على هذا قراءة قيعات جمع صحة تناول جمع تكسير مثل رجالات قريشوجمالة صفر } [المرسلات: 33].

وقرأ شيبة وأبو جعفر ونافع بخلاف عنهما { الظمآن } بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الميم، والظاهر أن قوله { يحسبه الظمآن } هو من صفات السراب ولا يعني إلاّ مطلق { الظمآن } لا الكافر { الظمآن } وقال الزمخشري: شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها أن تنفعه عند الله وتنجيه من عذابه يوم القيامة، ثم يخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء، فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد ربانية الله عنده، يأخذونه ويعتلونه ويسقونه الحميم والغساق وهم الذين قال الله فيهمعاملة ناصبه } [الغاشية: 3]يحسبون أنهم يحسنون صنعاً } [الكهف: 104]وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً } [الفرقان: 23]. وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان قد تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام انتهى. فجعل { الظمآن } هو الكافر حتى تطرد الضمائر في { جاءه } و { لم يجده } { ووجد } و { عنده } و { فوفاه } لشخص واحد، وغيره غاير بين الضمائر فالضمير في { جاءه } و { لم يجده } للظمآن. وفي { ووجد } للكافر الذي ضرب له مثلاً بالظمآن، أي ووجد هذا الكافر وعد الله بالجزاء على عمله بالمرصاد { فوفاه حسابه } عمله الذي جازاه عليه.

السابقالتالي
2 3 4