الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } * { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

النور في كلام العرب الضوء المدرك بالبصر، فإسناده إلى الله تعالى مجاز كما تقول زيد كرم وجود وإسناده على اعتبارين، إما على أنه بمعنى اسم الفاعل أي منوّر السماوات والأرض، ويؤيد هذا التأويل قراءة عليّ بن أبي طالب وأبي جعفر وعبد العزيز المكي وزيد بن عليّ وثابت بن أبي حفصة والقورصي ومسلمة بن عبد الملك وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة { نور } فعلاً ماضياً و { الأرض } بالنصب. وإما على حذف أي ذو نور، ويؤيده قوله { مثل نوره } ويحتمل أن يجعل نوراً على سبيل المدح، كما قالوا فلان شمس البلاد ونور القبائل وقمرها، وهذا مستفيض في كلام العرب وأشعارها. قال الشاعر:
كأنك شمس والملوك كواكب   
وقال:
قمر القبائل خالد بن زيد   
وقال:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة   فقد سار منها بدرها وجمالها
ويروى نورها، وأضاف النور إلى { السماوات والأرض } للدلالة على سعة إشراقه وفشو إضاءته حتى يضيء له السماوات والأرض، أو يراد أهل السموات والأرض وأنهم يستضيئون به. وقال ابن عباس: { نور السماوات } أي هادي أهل السماوات. وقال مجاهد: مدبر أمور السماوات. وقال الحسن: منور السماوات. وقال أبي: الله به نور السماوات أو منه نور السماوات أي ضياؤها. وقال أبو العالية: مزين السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء. وقيل: المنزه من كل عيب امرأة نوار بريئة من الريبة والفحشاء. وقال الكرماني: هو الذي يرى ويرى به مجاز وصف الله به لأنه يرى ويرى بسببه مخلوقاته لأنه خلقها وأوجدها.

والظاهر أن الضمير في { مثل نوره } عائد على الله تعالى. واختلفوا في هذا القول ما المراد بالنور المضاف إليه تعالى. فقيل: الآيات البينات في قولهولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات } [النور: 34] وقيل: الإيمان المقذوف في قلوب المؤمنين. وقيل: النور هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: النور هنا المؤمن. وقال كعب وابن جبير: الضمير في { نوره } عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، أي مثل نور محمد. وقال أبيّ: هو عائد على المؤمنين وفي قراءته مثل نور المؤمن. وروي أيضاً فيها مثل نور من آمن به. وقال الحسن: يعود على القرآن والإيمان وهذه الأقوال الثلاثة عاد فيها الضمير على غير مذكور، ونقلت المعنى المقصود بالآية بخلاف عوده على الله تعالى، ولذلك قال مكي يوقف على { الأرض } في تلك الأقوال الثلاثة. واختلفوا في هذا التشبيه أهو تشبيه جملة بجملة لا يقصد فيها إلى تشبيه جزء بجزء ومقابلة شيء بشيء، أو مما قصد به ذلك أي مثل نور الله الذي هو هداه واتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، أي مثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7