هذه السورة مكية بلا خلاف، وفي الصحيح للحاكم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لقد أنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة " ثم قرأ قد { أفلح المؤمنون } إلى عشر آيات. ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهرة لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله{ يا أيها الذين آمنوا اركعوا } [الحج: 77] الآية وفيها{ لعلكم تفلحون } [الحج: 77] وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله { قد أفلح المؤمنون } إخباراً بحصول ما كانوا رجوه من الفَلاح. وقرأ طلحة بن مصرف وعمرو بن عبيد { قد أفلح المؤمنون } بضم الهمزة وكسر اللام مبنياً للمفعول، ومعناه ادخلوا في الفلاح فاحتمل أن يكون من فلح لازماً أو يكون أفلح يأتي متعدياً ولازماً. وقرأ طلحة أيضاً بفتح الهمزة واللام وضم الحاء. قال عيسى بن عمر: سمعت طلحة بن مصرف يقرأ قد أفلحوا المؤمنون، فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم، كما لحن أصحابي انتهى. يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي وليس بلحن لأنه على لغة أكلوني البراغيث. وقال الزمخشري: أو على الإبهام والتفسير. وقال ابن عطية: وهي قراءة مردودة، وفي كتاب ابن خالويه مكتوباً بواو بعد الحاء، وفي اللوامح وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل نحو{ ويمح الله الباطل } [الشورى: 24]. وقال الزمخشري: وعنه أي عن طلحة { أُفلحُ } بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها كقوله:
فلو أن الأطباء كان حولي
انتهى. وليس بجيد لأن الواو في { أفلح } حذفت لالتقاء الساكنين وهنا حذفت للضرورة فليست مثلها. قال الزمخشري: قد تقتضيه لما هي تثبت المتوقع ولما تنفيه، ولا شك أن المؤمنين كانوا متوقعين لمثل هذه البشارة وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم، فخوطبوا بما دل على ثبات ما توقعوه انتهى. والخشوع لغة الخضوع والتذلل، وللمفسرين فيه هنا أقوال: قال عمرو بن دينار: هو السكون وحسن الهيئة. وقال مجاهد: غض البصر وخفض الجناح. وقال مسلم بن يسار وقتادة: تنكيس الرأس. وقال الحسن: الخوف. وقال الضحاك: وضع اليمين على الشمال. وعن عليّ: ترك الالتفات في الصلاة. وعن أبي الدرداء: إعظام المقام وإخلاص المقال واليقين التام وجمع الاهتمام. وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي رافعاً بصره إلى السماء، فلما نزلت هذه الآية رمى ببصره نحو مسجده، ومن الخشوع أن تستعمل الآداب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك والاختصار وتقليب الحصى. وفي التحرير: اختلف في الخشوع، هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها ومكملاتها على قولين، والصحيح الأول ومحله القلب، وهو أول علم يرفع من الناس قاله عبادة بن الصامت. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم أضيفت الصلاة إليهم؟ قلت: لأن الصلاة دائرة بين المصلي والمصلى له، فالمصلي هو المنتفع بها وحده وهي عدته وذخيرته فهي صلاته، وأما المصلى له فغني متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها.