الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } * { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

لما ذكر تعالى ما دل على قدرته الباهرة من إيلاج الليل في النهار والنهار في الليل وهما أمران مشاهدان مجيء الظلمة والنور، ذكر أيضاً ما هو مشاهد من العالم العلوي والعالم السفلي، وهو نزول المطر وإنبات الأرض وإنزال المطر واخضرار الأرض مرئيان، ونسبة الإنزال إلى الله تعالى مدرك بالعقل. وقال أبو عبد الله الرازي: الماء وإن كان مرئياً إلاّ أن كون الله منزله من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم، لأن المقصود من تلك الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل.

وقال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل فأصبحت ولم صرف إلى لفظ المضارع؟ قلت: لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان. كما تقول أنعم عليّ فلان عام كذا، فأروح وأغدو شاكراً له. ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع.

فإن قلت: فما باله رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام؟ قلت: لو نصب لأعطى ما هو عكس الغرض، لأن معناه إثبات الاخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار مثاله أن تقول لصاحبك: ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه، وإن رفعته فأنتم مثبت للشكر هذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله.

وقال ابن عطية: وقوله { فتصبح الأرض } بمنزلة قوله فتضحى أو تصير عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ووقع قوله { فتصبح } من حيث الآية خبراً، والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله { ألم تر } فاسد المعنى انتهى. ولم يبين هو ولا الزمخشري كيف يكون النصب نافياً للاخضرار، ولا كون المعنى فاسداً. وقال سيبويه: وسألته يعني الخليل عن { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة } فقال: هذا واجب وهو تنبيه. كأنك قلت: أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا. قال ابن خروف، وقوله فقال هذا واجب، وقوله فكان كذا يريد أنهما ماضيان، وفسر الكلام بأتسمع ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه، ووقع في الشرقية عوض أتسمع انتبه انتهى. ومعنى في الشرقية في النسخة الشرقية من كتاب سيبويه.

وقال بعض شراح الكتاب { فتصبح } لا يمكن نصبه لأن الكلام واجب ألا ترى أن المعنى { أن الله أنزل } فالأرض هذا حالها. وقال الفراء { ألم تر } خبر كما تقول في الكلام اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا انتهى. ويقول إنما امتنع النصب جواباً للاستفهام هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وإن كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى إلى قوله

السابقالتالي
2 3 4