الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } * { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } * { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } * { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } * { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } * { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } * { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ }

الحدب: المسنم من الأرض كالجبل والكدية والقبر ونحوه. النسلان: مقاربة الخطو مع الإسراع قال الشاعر:
عسلان الذئب أمسى قارباً   برد الليل عليه فنسل
الحصب: الحطب بلغة الحبشة إذا رمى به في النار قيل وقبل أن يرمي به لا يسمى حصباً. وقيل: الحصب ما توقد به النار.

{ إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون }.

والظاهر أن قوله { أمتكم } خطاب لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم و { هذه } إشارة إلى ملة الإسلام، أي إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها ملة واحدة غير مختلفة، ويحتمل أن تكون { هذه } إشارة إلى الطريقة التي كان عليها الأنبياء المذكورون من توحيد الله تعالى هي طريقتكم وملتكم طريقة واحدة لا اختلاف فيها في أصول العقائد، بل ما جاء به الأنبياء من ذلك هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: معنى { أمة واحدة } مخلوقة له تعالى مملوكة له، فالمراد بالأمة الناس كلهم. وقيل: الكلام يحتمل أن يكون متصلاً بقصة مريم وابنها أيوجعلناها وابنها آية للعالمين } [الأنبياء: 91] بأن بعث لهم بملة وكتاب، وقيل لهم { إن هذه أمتكم } أي دعا الجميع إلى الإيمان بالله وعبادته.

ثم أخبر تعالى أنهم بعد ذلك اختلفوا { وتقطعوا أمرهم } وقرأ الجمهور { أمتكم } بالرفع خبر إن { أمة واحدة } بالنصب على الحال، وقيل بدل من { هذه } وقرأ الحسن { أمتكم } بالنصب بدل من { هذه }. وقرأ أيضاً هو وابن إسحاق والأشهب العقيلي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والجعفي وهارون عن أبي عمرو والزعفراني { أمتكم أمة واحدة } برفع الثلاثة على أن { أمتكم } و { أمة واحدة } خبر { إن } أو { أمة واحدة } بدل من { أمتكم } بدل نكرة من معرفة، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي { أمة واحدة } والضمير في { وتقطعوا } عائد على ضمير الخطاب على سبيل الالتفات أي وتقطعتم.

ولما كان هذا الفعل من أقبح المرتكبات عدل عن الخطاب إلى لفظ الغيبة كأن هذا الفعل ما صدر من المخاطب لأن في الإخبار عنهم بذلك نعياً عليهم ما أفسدوه، وكأنه يخبر غيرهم ما صدر من قبيح فعلهم ويقول ألا ترى إلى ما ارتكب هؤلاء في دين الله جعلوا أمر دينهم قطعاً كما يتوزع الجماعة الشيء لهذا نصيب ولهذا نصيب، تمثيلاً لاختلافهم ثم توعدهم برجوع هذه الفرقة المختلفة إلى جزائه.

السابقالتالي
2 3 4 5