الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } * { خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ }

قال السدّي ومقاتل: " مرّ الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي جهل وأبي سفيان، فقال أبو جهل: هذا نبي عبد مناف، فقال أبو سفيان: وما تنكرون أن يكون نبياً في بني عبد مناف، فسمعهما الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لأبي جهل: «ما تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلت حمية» " فنزلت.

ولما كان الكفار يغمهم ذكر آلهتهم بسوء شرعوا في الاستهزاء وتنقيص من يذكرهم على سبيل المقابلة و { إن } نافية بمعنى ما، والظاهر أن جواب { إذا } هو { إن يتخذونك } وجواب إذا بإن النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في القرآنوإذا رأوك إن يتخذونك إلاّ هزواً } [الفرقان: 41] ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقعت جواباً كقولهوإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } [يونس: 15] ما كان حجتهم بخلاف أدوات الشرط، فإنها إذا كان الجواب مصدراً بما النافية فلا بد من الفاء، نحو إن تزورنا فما نسيء إليك. وفي الجواب لاذا بأن وما النافيتين دليل واضح على أن { إذا } ليست معمولة للجواب، بل العامل فيها الفعل الذي يليها وليست مضافة للجملة خلافاً لأكثر النحاة. وقد استدللنا على ذلك بغير هذا من الأدلة في شرح التسهيل.

وقيل: جواب { إذا } محذوف وهو يقولون المحكي به قولهم { أهذا الذي يذكر آلهتكم } وقوله { إن يتخذونك إلاّ هزواً } كلام معترض بين { إذا } وجوابه و { يتخذونك } يتعدى إلى اثنين، والثاني { هزواً } أي مهزوأ به، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب. والذكر يكون بالخير وبالشر، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم، ومنهسمعنا فتى يذكرهم } [الأنبياء: 60] أي بسوء، وكذلك هنا { أهذا الذي يذكر آلهتكم }.

ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي { وهم بذكر الرحمن هم كافرون } أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف.

وقال الزمخشري: والجملة في موضع الحال أي { يتخذونك هزواً } وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى. فجعل الجملة الحالية العامل فيها { يتخذونك هزواً } المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد. وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة { الرحمن } وقالوا: ما نعرف الرحمن إلاّ في اليمامة، والمراد بالرحمن هنا الله، كأنه قيل { وهم بذكر } الله ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى الإقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم { الإنسان } على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه { خلق } { من عجل } وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيراً.

السابقالتالي
2 3 4