الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

{ إن الذين كفروا سواء عليهم } ، إن: حرف توكيد يتشبث بالجملة المتضمنة الإسناد الخبري، فينصب المسند إليه، ويرتفع المسند وجوباً عند الجمهور، ولها ولأخواتها باب معقود في النحو. وتأتي أيضاً حرف جواب بمعنى نعم خلافاً لمن منع ذلك. الكفر: الستر، ولهذا قيل: كافر للبحر، ومغيب الشمس، والزارع، والدافن، والليل، والمتكفر، والمتسلح. فبينها كلها قدر مشترك وهو الستر، سواء اسم بمعنى استواء مصدر استوى، ووصف به بمعنى مستو، فتحمل الضمير. قالوا: مررت برجل سواء، والعدم قالوا: أصله العدل، قال زهير: يسوي بينها فيها السواء. ولإجرائه مجرى المصدر لا يثني، قالوا: هما سواء استغنوا بتثنية سي بمعنى سواء، كقي بمعنى قواء، وقالوا: هما سيان. وحكى أبو زيد تثنيته عن بعض العرب. قالوا: هذان سواآن، ولذلك لا تجمع أيضاً، قال:
وليل يقول الناس من ظلماته   سواء صحيحات العيون وعورها
وهمزته منقلبة عن ياء، فهو من باب طويت.

وقال صاحب اللوامح: قرأ الجحدري سواء بتخفيف الهمزة على لغة الحجاز، فيجوز أنه أخلص الواو، ويجوز أنه جعل الهمزة بين بين، وهو أن يكون بين الهمزة والواو. وفي كلا الوجهين لا بد من دخول النقص فيما قبل الهمزة الملينة من المد، انتهى. فعلى هذا يكون سواء ليس لامه ياء بل واواً، فيكون من باب قواء. وعن الخليل: سوء عليهم بضم السين مع واو بعدها مكان الألف، مثل دائرة السوء على قراءة من ضم السين، وفي ذلك عدول عن معنى المساواة إلى معنى القبح والسب، ولا يكون على هذه القراءة له تعلق إعراب بالجملة بعدها بل يبقى. { أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } إخبار بانتفاء إيمانهم على تقدير إنذارك وعدم إنذارك، وأما سواء الواقع في الاستثناء في قولهم قاموا سواك بمعنى قاموا غيرك، فهو موافق لهذا في اللفظ، مخالف في المعنى، فهو من باب المشترك، وله أحكام ذكرت في باب الاستثناء. الهمزة للنداء، وزيد وللاستفهام الصرف، وذلك ممن يجهل النسبة فيسأل عنها، وقد يصحب الهمزة التقرير: { أأنت قلت للناس }؟ والتحقيق، ألستم خير من ركب المطايا. والتسوية { سواء عليهم أأنذرتم } ، والتوبيخأذهبتم طيباتكم } [الأحقاف: 20]، والإنكار أن يدنيه لمن قال جاء زيد، وتعاقب حرف القسم الله لأفعلن. الإنذار: الإعلام مع التخويف في مدة تسع التحفظ من المخوف، وإن لم تسع سمي إعلاماً وإشعاراً أو إخباراً، ويتعدى إلى اثنين:إنا أنذرناكم عذاباً قريباً } [النبأ: 40]،فقل أنذرتكم صاعقة } [فصلت: 13]، والهمزة فيه للتعدية، يقال: نذر القوم إذا علموا بالعدو. وأم حرف عطف، فإذا عادل الهمزة وجاء بعده مفرداً أو جملة في معنى المفرد سميت أم متصلة، وإذا انخرم هذان الشرطان أو أحدهما سميت منفصلة، وتقرير هذا في النحو، ولا تزاد خلافاً لأبي زيد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9