الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ }

أسكن، أقم، ومصدره السكنى كالرجعى، والمعنى راجع إلى السكون، وهو عدم الحركة. وكان الساكن في المكان للبثه واستقراره فيه غير متحرك بالنسبة إلى غيره من الأماكن. رغداً: أي واسعاً كثير الاعناء فيه، قال امرؤ القيس:
بينما المرء تراه ناعماً   يأمن الأحداث في عيش رغد
وتميم تسكن الغين. وزعم بعض الناس أن كل اسم ثلاثي حلقي العين صحيح اللام يجوز فيه تحريك عينه وتسكينها، مثل: بحر وبحر، ونهر ونهر، فأطلق هذا الإطلاق، وليس كذلك، بل ما وضع من ذلك على فعل بفتح العين لا يجوز فيه التسكين نحو: السحر لا يقال فيه السحر، وإنما الكلام في فعل المفتوح الفاء الساكن العين، وفي ذلك خلاف. ذهب البصريون إلى أن فتح ما ورد من ذلك مقصور على السماع، وهو مع ذلك مما وضع على لغتين، لا أن أحدهما أصل للآخر. وذهب الكوفيون إلى أن بعضه ذو لغتين، وبعضه أصله التسكين ثم فتح. وقد اختار أبو الفتح مذهب الكوفيين، والاستدلال مذكور في كتب النحو. حيث: ظرف مكان مبهم لازم الظرفية، وجاء جره بمن كثيراً وبفي، وإضافة لدى إليه قليلاً، ولإضافتها لا ينعقد منها مع ما بعدها كلام، ولا يكون ظرف زمان خلافاً للأخفش، ولا ترفع اسمين نائبة عن ظرفين، نحو: زيد حيث عمر، وخلافاً للكوفيين، ولا يجزم بها دون ما خلافاً للفراء، ولا تضاف إلى المفرد خلافاً للكسائي، وما جاء من ذلك حكمنا بشذوذ، وهي مبنية وتعتقب على آخرها الحركات الثلاث، ويجوز: حوث، بالواو وبالحركات الثلاثة. وحكى الكسائي أن إعرابها لغة بني فقعس. القربان: معروف، وهو الدنوّ من الشيء. هذه: تكسر الهاء باختلاس وأشباع، وتسكن، ويقال: هذي بالياء، والهاء فيما ذكروا بدل منها، وقالوا: ذ بكسر الذال بغير ياء ولا هاء، وهي تأنيث ذا، وربما ألحقوا التاء لتأنيث ذا فقالوا ذات مبنية على الكسر. الشجرة: بفتح الشين والجيم، وبعض العرب تكسر الشين، وإبدال الجيم ياء مع كسر الشين وفتحها منقول، وخالف أبو الفتح في كون الياء بدلاً، وقد أطلنا الكلام على ذلك في تأليفنا (كتاب التكميل لشرح التسهيل). والشجر: ما كان على ساق، والنجم: ما نجم وانبسط على الأرض ليس له ساق. الظلم: أصله وضع الشيء في غير موضعه، ثم يطلق على الشرك، وعلى الجحد، وعلى النقص. والمظلومة: الأرض التي لم تمطر، ومعناه راجع إلى النقص.

{ وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة } الآية: لم يؤثر فيها سبب نزول سمعي، ومناسبتها لما قبلها: أن الله لما شرف آدم برتبة العلم وبإسجاد الملائكة له، امتن عليه بأن أسكنه الجنة التي هي دار النعيم. أباح له جميع ما فيها إلا الشجرة، على ما سيأتي فيها، إن شاء الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7