الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }

الربا: الزيادة يقال: ربا يربو وأرباه غيره: وأربى الرجل، عامل بالربا، ومنه الربوة والرابي. وقال حاتم:
وأسمر خطيا كأن كعوبه   نوى القشب قد أربى ذراعاً على العشر
وكتب في القرآن بالواو والألف بعدها، ويجوز أن يكتب بالياء للكسرة، وبالألف. وتبدل الباء ميماً قالوا: الرما، كما أبدلوها في كتب قالوا: كتم، ويثنى: ربوان، بالواو عند البصريين، لأن ألفه منقلبة عنها. وقال الكوفيون: ويكتب بالياء، وكذلك الثلاثي المضموم الأول نحو: ضحى، فتقول: ربيان وضحيان، فإن كان مفتوحاً نحو: صفا، فاتفقوا على الواو.

وأما الربا الشرعي فهو محدود في كتب الفقهاء على حسب اختلاف مذاهبهم.

تخبط: تفعل من الخبط وهو الضرب على غير استواء، وخبط البعير الأرض بأخفافه، ويقال للذي يتصرف ولا يهتدي: خبط عشواء، وتورط في عمياء وقول علقمة:
وفي كل حي قد خبطت بنعمة   
أي: أعطيت من أردت بلا تمييز كرماً.

سلف: مضى وانقضى، ومنه سالف الدهر أي ماضيه.

عاد عوداً: رجع، وذكر بعضهم أنها تكون بمعنى صار، وأنشد:
تعد فيكُمُ جزر الجزور رماحنا   ويرجعن بالأسياف منكسرات
المحق: نقصان الشيء حالاً بعد حال. ومنه: المحاق في الهلال، يقال: محقه الله فانمحق وامتحق أنشد الليث:
يزداد حتى إذا ما تمَّ أعقبه   كرّ الجديدين نقصاً ثم ينمحق
{ الذين يأكلون الربى لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } مناسبة هذه الآية لما قبلها أن ما قبلها وارد في تفضيل الإنفاق والصدقة في سبيل الله، وأنه يكون ذلك من طيب ما كسب، ولا يكون من الخبيث. فذُكر نوع غالب عليهم في الجاهلية، وهو: خبيث، وهو: الربا، حتى يمتنع من الصدقة بما كان من ربا، وأيضاً فتظهر مناسبة أخرى، وذلك أن الصدقات فيها نقصان مال، والربا فيه زيادة مال، فاستطرد من المأمور به إلى ذكر المنهي عنه لما بينهما من مناسبة ذكر التضاد، وأبدى لأكل الربا صورة تستبشعها العرب على عادتها في ذكر ما استغربته واستوحشت منه، كقوله:طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [الصافات: 65] وقول الشاعر:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال   
وقول الآخر:
خيلاً كأمثال السعالي شرّباً   
وقول الآخر:
بخيل عليها جنّة عبقريّة   
والأكل هنا قيل على ظاهره من خصوص الأكل، وأن الخبر: عنهم، مختص بالآكل الربا، وقيل: عبر عن معاملة الربا وأخذه بالأكل، لأن الأكل غالب ما ينتفع به فيه، كما قال تعالى:وأخذهم الربا } [النساء: 161] وقيل: الربا هنا كناية عن الحرام، لا يخص الربا الذي في الجاهلية، ولا الربا الشرعي. وقرأ العدوي: الربو، بالواو وقيل: وهي لغة الحيرة، ولذلك كتبها أهل الحجاز بالواو لأنهم تعلموا الخط من أهل الحيرة، وهذه القراءة على لغة من وقف على أفعى بالواو، فقال: هذه أفعو، فأجرى القارىء الوصل إجراء الوقف.

السابقالتالي
2 3 4 5 6