الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ }

{ أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق } أو، لها خمسة معان: الشك، والإبهام، والتخيير، والإباحة، والتفصيل. وزاد الكوفيون أن تكون بمعنى الواو وبمعنى بل، وكان شيخنا أبو الحسن بن الصائغ يقول: أو لأحد الشيئين أو الأشياء. وقال السهيلي: أو للدلالة على أحد الشيئين من غير تعيين، ولذلك وقعت في الخبر المشكوك فيه من حيث أن الشك تردد بين أمرين من غير ترجيح، لا أنها وضعت للشك، فقد تكون في الخبر، ولا شك إذا أبهمت على المخاطب. وأما التي للتخيير فعلى أصلها لأن المخير إنما يريد أحد الشيئين، وأما التي زعموا أنها للإباحة فلم تؤخذ الإباحة من لفظ أو ولا من معناها، إنما أخذت من صيغة الأمر مع قرائن الأحوال، وإنما دخلت لغلبة العادة في أن المشتغل بالفعل الواحد لا يشتغل بغيره، ولو جمع بين المباحين لم يعص، علماً بأن أو ليست معتمدة هنا. الصيب: المطر، يقال: صاب يصوب فهو صيب إذا نزل والسحاب أيضاً، قال الشاعر:
حتى عفاها صيب ودقه   داني النواحي مسبل هاطل
وقال الشماخ:
وأشحـم دان صـادق الرعـد صيب   
ووزن صيب فيعل عند البصريين، وهو من الأوزان المختصة بالمعتل العين، إلا ما شذ في الصحيح من قولهم: صيقل بكسر القاف علم لامرأة، وليس وزنه فعيلاً، خلافاً للفراء. وقد نسب هذا المذهب للكوفيين وهي مسألة يتكلم عليها في علم التصريف. وقد تقدم الكلام على تخفيف مثل هذا السماء: كل ما علاك من سقف ونحوه، والسماء المعروفة ذات البروج، وأصلها الواو لأنها من السمو، ثم قد يكون بينها وبين المفرد تاء تأنيث. قالوا: سماوة، وتصح الواو إذ ذاك لأنها بنيت عليها الكلمة، قال العجاج:
طيّ الليالي زلفاً فزلفاً   سماوة الهلال حتى احقوقفا
والسماء مؤنث، وقد يذكر، قال الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوماً   لحقنا بالسماء مع السحاب
والجنس الذي ميز واحده بتاء، يؤنثه الحجازيون، ويذكره التميميون وأهل نجد، وجمعهم لها على سموات، وعلى اسمية، وعلى سماء. قال: فوق سبع سمائنا شاذ لأنه، أولاً: اسم جنس فقياسه أن لا يجمع، وثانياً: فجمعه بالألف والتاء ليس فيه شرط ما يجمع بهما قياساً، وجمعه على أفعله ليس مما ينقاس في المؤنث، وعلى فعائل لا ينقاس في فعال.

الرعد، قال ابن عباس، ومجاهد، وشهر بن حوشب، وعكرمة: الرعد ملك يزجر السحاب بهذا الصوت، وقال بعضهم: كلما خالفت سحابة صاح بها، والرعد اسمه. وقال علي: وعطاء، وطاوس، والخليل: صوت ملك يزجر السحاب. وروي هذا أيضاً عن ابن عباس، ومجاهد. وقال مجاهد: أيضاً صوت ملك يسبح، وقيل: ريح تختنق بين السماء والأرض. وروي عن ابن عباس: أنه ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت، وقيل: اصطكاك الأجرام السحابية، وهو قول أرباب الهيئة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7