الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلاَةِ وَٱلزَّكَـاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } * { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }

قرأ الكوفيون { مخلصاً } بفتح اللام وهي قراءة أبي رزين ويحيى وقتادة، أي أخلصه الله للعبادة والنبوة. كما قال تعالىإنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار } [ص: 46]. وقرأ باقي السبعة والجمهور بكسر اللام أي أخلص العبادة عن الشرك والرياء، أو أخلص نفسه وأسلم وجهه لله. ونداؤه إياه هو تكليمه تعالى إياه. و { الطور } الجبل المشهور بالشام، والظاهر أن { الأيمن } صفة للجانب لقوله في آية أخرىجانب الطور الأيمن } [مريم: 52، طه: 80] بنصب الأيمن نعتاً لجانب الطور، والجبل نفسه لا يمنة له ولا يسرة ولكن كان على يمين موسى بحسب وقوفه فيه، وإن كان من اليمن احتمل أن يكون صفة للجانب وهو الراجح ليوافق ذلك في الآيتين، واحتمل أن يكون صفة للطور إذ معناه الأسعد المبارك.

قال ابن القشيري: في الكلام حذف وتقديره { وناديناه } حين أقبل من مدين ورأى النار من الشجرة وهو يريد من يهديه إلى طريق مصر { من جانب الطور } أي من ناحية الجبل. { وقربناه نجياً } قال الجمهور: تقريب التشريف والكلام واليوم. وقال ابن عباس: أدنى موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام، وقاله أبو العالية وميسرة. وقال سعيد: أردفه جبريل على السلام. قال الزمخشري: شبهه بمن قربه بعض العظماء للمناجاة حيث كلمه بغير واسطة ملك انتهى. ونجى فعيل من المناجاة بمعنى مناج كالجليس، وهو المنفرد بالمناجاة وهي المسارة بالقول. وقال قتادة: معنى نجاه صدقه ومن في من رحمتنا للسبب أي من أجل رحمتنا له أو للتبعيض أي بعض رحمتنا.

قال الزمخشري: و { أخاه } على هذا الوجه بدل و { هارون } عطف بيان كقولك رأيت رجلاً أخاك زيداً انتهى. والذي يظهر أن أخاه مفعول بقوله { ووهبنا } ولا ترادف من بعضاً فتبدل منها، وكان هارون أسن من موسى طلب من الله أن يشد أزره بنبوته ومعونته فأجابه و { إسماعيل } هو ابن إبراهيم أبو العرب يمنّيها ومضريها وهو قول الجمهور. وقيل: إنه إسماعيل بن حزقيل، بعثه الله إلى قومه فشجوا جلدة رأسه فخيره فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه وفوض أمرهم إليه في عفوه وعقوبته، وصدق وعده أنه كانت منه مواعيد لله وللناس فوفي بالجميع، فلذلك خص بصدق الوعد. قال ابن جريج: لم يعد ربه موعدة إلاّ أنجزها، فمن مواعيده الصبر وتسليم نفسه للذبح، ووعد رجلاً أن يقيم له بمكان فغاب عنه مدة. قيل: سنة. وقيل: اثني عشر يوماً فجاءه، فقال: ما برحت من مكانك؟ فقال: لا والله، ما كنت لأخلف موعدي.

{ وكان يأمر أهله }. قال الحسن: قومه وأمته، وفي مصحف عبد الله وكان يأمر قومه. وقال الزمخشري: كان يبدأ بأهله في الأمر بالصلاح والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أولى من سائر الناس

السابقالتالي
2 3