{ واذكر } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، والمراد اتل عليهم نبأ { إبراهيم } وذاكره ومورده في التنزيل هو الله تعالى، ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر قصة مريم وابنها عيسى واختلاف الأحزاب فيهما وعبادتهما من دون الله، وكانا من قبيل من قامت بهما الحياة ذكر الفريق الضال الذي عبد جماداً والفريقان وإن اشتركا في الضلال، والفريق العابد الجماد أضل ثم ذكر قصة إبراهيم مع أبيه عليه السلام تذكيراً للعرب بما كان إبراهيم عليه من توحيد الله وتبيين أنهم سالكو غير طريقه، وفيه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به وأن ذلك متلقى بالوحي والصديق من أبنية المبالغة وهو مبني من الثلاثي للمبالغة أي كثير الصدق، والصدق عرفه في اللسان ويقابله الكذب، وقد يستعمل في الأفعال والخلق وفيما لا يعقل يقال: صدقني الطعام كذا وكذا قفيزاً، وعود صدق للصلب الجيد فوصف إبراهيم بالصدق على العموم في أقواله وأفعاله، والصديقية مراتب ألا ترى إلى وصف المؤمنين بها في قوله{ من النبيين والصدّيقين } [النساء: 69] ومن غريب النقل ما ذهب إليه بعض النحويين من أن فعيلاً إذا كان من متعد جاز أن يعمل فتقول هذا شريب مسكر كما أعملوا عند البصريين فعولاً وفعالاً ومفعالاً. وقال الزمخشري: والمراد فرط صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله وآياته وكتبه ورسوله، وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقاً لجميع الأنبياء وكتبهم وكان { نبياً } في نفسه لقوله تعالى{ بل جاء بالحق وصدق المرسلين } [الصافات: 37] وكان بليغاً في الصدق لأن ملاك أمر النبوة الصدق ومصدق الله بآياته ومعجزاته حري أن يكون كذلك، وهذه الجملة وقعت اعتراضاً بين المبدل منه وبدله أعني { إبراهيم }. و { إذ قال } نحو قولك: رأيت زيداً ونعم الرجل أخاك، ويجوز أن تتعلق { إذ } بكان أو بـ { صديقاً نبياً } أي كان جامعاً لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات انتهى. فالتخريج الأول يقتضي تصرف { إذ } وقد تقدم لنا أنها لا تتصرف، والتخريج الثاني مبني على أن كان الناقصة وأخواتها تعمل في الظروف وهي مسألة خلاف. والتخريج الثالث لا يصح لأن العمل لا ينسب إلاّ إلى لفظ واحد، أما أن ينسب إلى مركب من مجموع لفظين فلا، وجائز أن يكون معمولاً لصديقاً لأنه نعت إلاّ على رأي الكوفيين، ويحتمل أن يكون معمولاً لنبياً أي منبأ في وقت قوله لأبيه ما قال، وأن التنبئة كانت في ذلك الوقت وهو بعيد. وقرأ أبو البر هثيم إنه كان صادقاً. وفي قوله { يا أبت } تلطف واستدعاء بالنسب. وقرأ ابن عامر والأعرج وأبو جعفر { يا أبت } بفتح التاء وقد لحن هارون هذه القراءة، وتقدم الكلام على { يا أبت } في سورة يوسف عليه السلام، وفي مصحف عبد الله وا أبت بواو بدل ياء، واستفهم إبراهيم عليه السلام عن السبب الحامل لأبيه على عبادة الصنم وهو منتف عنه السمع والبصر والإغناء عنه شيئاً تنبيهاً على شنعة الرأي وقبحه وفساده في عبادة من انتفت عنه هذه الأوصاف.