الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } * { قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } * { مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً } * { وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } * { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } * { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } * { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } * { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً }

هي مكية كلها إلا في قوله. وعن ابن عباس وقتادة إلاّ قوله { واصبر نفسك } الآية فمدنية. وقال مقاتل: إلاّ من أولها إلى { جرزاً } ومن قوله { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآيتين فمدني. وسبب نزولها أن قريشاً بعثت النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود بالمدينة، فقالوا لهما: سلاهم عن محمد وصِفالهم صفته فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم ما ليس عندنا من علم الأنبياء، فخرجا حتى أتيا المدينة فسألاهم فقالت: سلوه فإن أخبركم بهنّ فهو نبيّ مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم، فإنه كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان بناؤه، وسلوه عن الروح فأقبل النضر وعقبة إلى مكة فسألوه فقال: «غداً أخبركم» ولم يقل إن شاء الله، فاستمسك الوحي خمسة عشر يوماً فأرجف كفار قريش، وقالوا: إن محمداً قد تركه رئيه الذي كان يأتيه من الجن. وقال بعضهم: قد عجز عن أكاذيبه فشق ذلك عليه، فلما انقضى الأمد جاءه الوحي بجواب الأسئلة وغيرها.

وروي في هذا السبب أن اليهود قالت: إن أجابكم عن الثلاثة فليس بنبيّ، وإن أجاب عن اثنتين وأمسك عن الأخرى فهو نبيّ. فأنزل الله سورة أهل الكهف وأنزل بعد ذلكويسألونك عن الروح } [الإسراء: 85]. ومناسبة أول هذه السورة لآخر ما قبلها أنه لما قالوبالحق أنزلناه وبالحق نزل } [الإسراء: 105] وذكر المؤمنين به أهل العلم وأنه يزيدهم خشوعاً، وأنه تعالى أمر بالحمد له وأنه لم يتخذ ولداً، أمره تعالى بحمده على إنزال هذا الكتاب السالم من العوج القيم على كل الكتب المنذر من اتخذ ولداً، المبشر المؤمنين بالأجر الحسن. ثم استطرد إلى حديث كفار قريش والتفت من الخطاب في قولهوكبره تكبيراً } [الإسراء: 111] إلى الغيبة في قوله { على عبده } لما في { عبده } من الإضافة المقتضية تشريفه، ولم يجيء التركيب أنزل عليك.

{ والكتاب } القرآن، والعوج في المعاني كالعوج في الأشخاص ونكر { عوجاً } ليعم جميع أنواعه لأنها نكرة في سياق النفي، والمعنى أنه في غاية الإستقامة لا تناقض ولا اختلاف في معانيه، لا حوشية ولا عيّ في تراكيبه ومبانيه. و { قيماً } تأكيد لإثبات الإستقامة إن كان مدلوله مستقيماً وهو قول ابن عباس والضحاك. وقيل: { قيماً } بمصالح العباد وشرائع دينهم وأمور معاشهم ومعادهم. وقيل: { قيماً } على سائر الكتب بتصديقها. واختلفوا في هذه الجملة المنفية، فزعم الزمخشري أنها معطوفة على { أنزل } فهي داخلة في الصلة، ورتب على هذا أن الأحسن في انتصاب { قيماً } أن ينتصب بفعل مضمر ولا يجعل حالاً من { الكتاب } لما يلزم من ذلك وهو الفصل بين الحال وذي الحال ببعض الصلة، وقدره جعله { قيماً }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6