الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } * { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } * { وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ وَٱتَّخَذُوۤاْ ءَايَٰتِي وَمَآ أُنْذِرُواْ هُزُواً } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَٰتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُواْ لَعَجَّلَ لَهُمُ ٱلْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُواْ مِن دُونِهِ مَوْئِلاً } * { وَتِلْكَ ٱلْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً }

أدحض الحق أرهقه قاله ثعلب، وأصله من إدحاض القدم وهو إزلاقها قال الشاعر:
وردت ويجىّ اليشكري حذاره   وحاد كما حاد البعير عن الدّحض
وقال آخر:
أبا منذر رمت الوفاء وهبته   وحدت كما حاد البعير المدحض
والدحض الطين الذي يزهق فيه. الموئل قال الفراء: المنجي يقال والت نفس فلان نجت. وقال الأعشى:
وقد أخالس رب البيت غفلته   وقد يحاذر مني ثم ما يئل
أي ما ينجو. وقال ابن قتيبة: الملجأ يقال: وأل فلان إلى كذا ألجأ، يئل وألاً وؤولاً.

{ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلاّ أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا وما نرسل المرسلين إلاّ مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدّمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجَّل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلاً وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعداً }.

تقدّم تفسير نظير صدر هذه الآية: و { شيء } هنا مفرد معناه الجمع أي أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدال إن فصلتها واحداً بعد واحد. { جدلاً } خصومة ومماراة يعني إن جدل الإنسان أكثر من جدل كل شيء ونحوه، فإذا هو خصيم مبين. وانتصب { جدلاً } على التمييز. قيل: { الإنسان } هنا النضر بن الحارث. وقيل: ابن الزبعري. وقيل: أبيّ بن خلف، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم فذره، فقال: أيقدر الله على إعادة هذا؟ قاله ابن السائب. قيل: كل من يعقل من ملك وجنّ يجادل و { الإنسان أكثر } هذه الأشياء { جدلاً } انتهى.

وكثيراً ما يُذكر الإنسان في معرض الذمّ وقد تلا الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً } حين عاتب علياً كرم الله وجهه على النوم عن صلاة الليل، فقال له عليّ: إنما نفسي بيد الله، فاستعمل { الإنسان } على العموم. وفي قوله { وما منع الناس } الآية تأسف عليهم وتنبيه على فساد حالهم لأن هذا المنع لم يكن بقصد منهم أن يمتنعوا ليجيئهم العذاب، وإنما امتنعوا هم مع اعتقاد أنهم مصيبون لكن الأمر في نفسه يسوقهم إلى هذا فكان حالهم يقتضي التأسف عليهم. و { الناس } يراد به كفار عصر الرسول صلى الله عليه وسلم الذين تولوا دفع الشريعة وتكذبيها قاله ابن عطية.

وقال الزمخشري: إن الأولى نصب والثانية رفع وقبلهما مضاف محذوف تقديره { وما منع الناس } الإيمان { إلا } انتظار { أن تأتيهم سنّة الأولين } وهي الإهلاك { أو } انتظار { أن يأتيهم العذاب } يعني عذاب الآخرة انتهى.

السابقالتالي
2 3 4