الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً } * { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً }

الكاف للتشبيه والإشارة بذلك. قيل إلى المصدر المفهوم من { فضربنا على آذانهم } أي مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة الطويلة آية، جعلنا بعثهم آية. قاله الزجاج وحسنه الزمخشري. فقال: وكما أنمناهم تلك النومة { كذلك بعثناهم } إذكاراً بقدرته على الإماتة والبعث جميعاً، ليسأل بعضهم بعضاً ويتعرّفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله، ويزدادوا يقيناً ويشكروا ما أنعم الله به عليهم وكرموا به انتهى. وناسب هذا التشبيه قوله تعالى حين أورد قصتهم أولاً مختصرة { فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً ثم بعثناهم }.

وقال ابن عطية: الإشارة بذلك إلى الأمر الذي ذكره الله في جهتهم والعبرة التي فعلها فيهم، واللام في { ليتساءلوا } لام الصيرورة لأن بعثهم لم يكن لنفس تساؤلهم انتهى. والقائل. قيل: كبيرهم مكسلمينا. وقيل: صاحب نفقتهم تمليخاً وكم سؤال عن العدد والمعنى كم يوماً أقمتم نائمين، والظاهر صدور الشك من المسؤولين. وقيل: { أو } للتفصيل. قال بعضهم { لبثنا يوماً }. وقال بعضهم { بعض يوم } والسائل أحس في خاطره طول نومهم ولذلك سأل. قيل: ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار، وجوابهم هذا مبني على غلبة الظن والقول بالظن الغالب لا يعد كذباً، ولما عرض لهم الشك في الإخبار ردوا علم لبثهم إلى الله تعالى.

وقال الزمخشري: { قالوا ربكم أعلم بما لبثتم } إنكار عليهم من بعضهم وأن الله تعالى أعلم بمدة لبثهم كان هؤلاء قد علموا بالأدلة أو بإلهام من الله أن المدة متطاولة وأن مقدارها مبهم لا يعلمه إلاّ الله انتهى. ولما انتبهوا من نومهم أخذهم ما يأخذ من نام طويلاً من الحاجة إلى الطعام، واتصل { فابعثوا } بحديث التساؤل كأنهم قالوا خذوا فيما يهمكم ودعوا علم ذلك إلى الله. والمبعوث قيل هو تمليخا، وكانوا قد استصحبوا حين خرجوا فارين دراهم لنفقتهم وكانت حاضرة عندهم، فلهذا أشار وإليها بقولهم { هذه }.

وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر والحسن والأعمش واليزيدي ويعقوب في رواية، وخلف وأبو عبيد وابن سعدان { بورقكم } بإسكان الراء. وقرأ باقي السبعة وزيد بن عليّ بكسرها. وقرأ أبو رجاء بكسر الواو وإسكان الراء وإدغام القاف في الكاف وكذا إسماعيل عن ابن محيصن، وعن ابن محيصن أيضاً كذلك إلاّ أنه كسر الراء ليصح الإدغام، وقال الزمخشري: وقرأ ابن كثير { بورقكم } بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف انتهى. وهو مخالف لما نقل الناس عنه. وحكى الزجاج قراءة بكسر الواو وسكون الراء دون إدغام. وقرأ عليّ بن أبي طالب بوارقكم على وزن فاعل جعله اسم جمع كباقر وجائل.

و { المدينة } هي مدينتهم التي خرجوا منها، وقيل وتسمى الآن طرسوس وكان اسمها عند خروجهم أفسوس. { فلينظر } يجوز أن يكون من نظر العين، ويجوز أن يكون من نظر القلب، والجملة في موضع نصب بفلينظر معلق عنها الفعل.

السابقالتالي
2