الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً } * { إِذْ أَوَى ٱلْفِتْيَةُ إِلَى ٱلْكَهْفِ فَقَالُواْ رَبَّنَآ آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّىءْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً } * { فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً } * { ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً } * { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } * { وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُواْ فَقَالُواْ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لَن نَّدْعُوَاْ مِن دُونِهِ إِلـٰهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً }

{ أم } هنا هي المنقطعة فتتقدر ببل والهمزة. قيل: للإضراب عن الكلام الأول بمعنى الانتقال من كلام إلى آخر لا بمعنى الإبطال، والهمزة للإستفهام. وزعم بعض النحويين أن { أم } هنا بمعنى الهمزة فقط، والظاهر في { أم حسبت } أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم. فقال مجاهد: لم ينهه عن التعجب وإنما أراد كل آياتنا كذلك. وقال قتادة: لا يتعجب منها فالعجائب في خلق السموات والأرض أكثر. وقال ابن عباس: سألوك عن ذلك ليجعلوا جوابك علامة لصدقك وكذبك، وسائر آيات القرآن أبلغ وأعجب وأدل على صدقك. وقال الطبري: تقرير له عليه السلام على حسبانه { أن أصحاب الكهف } كانوا { عجباً } بمعنى إنكار ذلك عليه أن لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم. قال: وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. وقال الزهراوي: يحتمل معنى آخر وهو أن يكون استفهاماً له هل علم { أن أصحاب الكهف كانوا من آياتنا عجباً } بمعنى إثبات أنهم عجب، ويكون فائدة تقريره جمع نفسه للأمر لأن جوابه أن يقول لم أحسب ولا علمته، فيقال له وصفهم عند ذلك والتجوز في هذا التأويل هو في لفظة حسبت انتهى. وقال غيره: معناه أعلمت أي لم تعلمه حتى أعلمتك.

وقال الزمخشري: ذكر من الآيات الكلية تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس التي لا حصر لها، وإزالة ذلك كله كأن لم يكن ثم قال: { أم حسبت } يعني { أن } ذلك من قصة أهل الكهف وإبقاء حياتهم مدة طويلة انتهى. وقيل: أي أم علمت أي فاعلم أنهم { كانوا } { عجباً } كما تقول: أعلمت أن فلاناً فعل كذا أي قد فعل فاعلمه. وقيل: الخطاب للسامع، والمراد المشركون أي قل لهم { أم حسبتم } الآية. والظن قد يقام مقام العلم، فكذلك حسبت بمعنى علمت والكهف تقدم تفسيره في المفردات. وعن أنس: الكهف الجبل. قال القاضي: وهذا غير مشهور في اللغة. وقال مجاهد: تفريج بين الجبلين، والظاهر { أن أصحاب الكهف والرقيم } هم الفتية المذكورون هنا. وعن ابن المسيب أنهم قوم كان حالهم كأصحاب الكهف. فقال الضحاك { الرقيم } بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفساً أموات كلهم نيام على هيئة { أصحاب الكهف }. وقيل: هم أصحاب الغار ففي الحديث عن النعمان بن بشير أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم قال: " إن ثلاثة نفر أصابتهم السماء فأووا إلى الكهف فانحطت صخرة من الجبل فانطبقت على باب الكهف " وذكر الحديث وهو حديث المستأجر والعفيف وبارّ والديه، وفيما أورده فيه زيادة ألفاظ على ما في الصحيح. ومن قال إنهم طائفتان قال: أخبر الله عن { أصحاب الكهف } ولم يخبر عن أصحاب { الرقيم } بشيء، ومن قال: بأنهم طائفة واحدة اختلفوا في شرح { الرقيم } فعن ابن عباس: إنه لا يدري ما { الرقيم } أكتاب أم بنيان، وعنه أنه كتاب كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين المسيح عليه السلام.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7