الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى ٱلإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ كَانَ يَئُوساً } * { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلاً } * { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } * { إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً }

لما ذكر تعالى تنويع ما أنزل من القرآن شفاء ورحمة للمؤمن وبزيادة خسار للظالم، عرّض بما أنعم به وما حواه من لطائف الشرائع على الإنسان، ومع ذلك { أعرض } عنه وبعد بجانبه اشمئزازاً له وتكبراً عن قرب سماعه وتبديلاً مكان شكر الإنعام كفره. وقرأ الجمهور: { ونأى } من النأي وهو البعد، وقرأ ابن عامر وناء. وقيل هو مقلوب نأى فمعناه بعد. وقيل: معناه نهض بجانبه. وقال الشاعر:
حتى إذا ما التأمت مفاصله   وناء في شق الشمال كاهله
أي نهض متوكئاً على شماله. ومعنى { يؤوساً } قنوطاً من أن ينعم الله عليه. والظاهر أن المراد بالإنسان هنا ليس واحداً بعينه بل المراد به الجنس كقولهإن الإنسان لربه لكنود } [العاديات: 6]إن الإنسان خلق هلوعاً } [المعارج: 19] الآية وهو راجع لمعنى الكافر، والإعراض يكون بالوجه والنأي بالجانب يكون بتولية العطف أو يراد بنأي الجانب الاستكبار لأن ذلك من عادة المستكبرين. والشاكلة قال ابن عباس: ناحيته. وقال مجاهد: طبيعته. وقال الضحاك: حدّته. وقال قتادة والحسن: نيته. وقال ابن زيد: دينه. وقال مقاتل: خلقه وهذه أقوال متقاربة. وقال الزمخشري: على مذهب الذي يشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطرق التي تشعبت منه، والدليل عليه قوله { فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً } أي أشد مذهباً وطريقة.

وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: لم أر في القرآن آية أرجى من التي فيهاغافر الذنب وقابل التوب } [غافر: 3] قدم الغفران قبل قبول التوبة. وعن عثمان رضي الله عنه لم أر آية أرجى مننبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } [الحجر: 49]. وعن عليّ كرّم الله وجهه ورضي عنه لم أر آية أرجى منيا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } [الزمر: 53] الآية. قالوا ذلك حين تذاكروا القرآن. وعن القرطبي: لم أر آية أرجى منالذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم } [الأنعام: 82] الآية.

وقال أبو عبد الله الرازي: الأرواح والنفوس مختلفة بماهيتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور، وبعضها كدِرة ظلمانية يظهر فيها من القرآن ضلال ونكال انتهى. وثبت في الصحيح من حديث ابن مسعود أنه قال: إني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقال: سلوه عن الروح فقال بعضهم: لا تسألوه فسيفتيكم بما تكرهون فأتاه نفر منهم فقالوا: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت ثم ماج فأمسكت بيدي على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه فأنزل عليه { ويسألونك عن الروح } الآية. وروي أن يهود قالوا لقريش: سلوه عن الروح وعن فتية فقدوا في أول الزمان، وعن رجل بلغ شرق الأرض وغربها فإن أجاب في ذلك كله أو لم يجب في شيء فهو كذاب، وإن أجاب في بعض ذلك وسكت عن بعض فهو نبي.

السابقالتالي
2 3