الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي ٱلأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً } * { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً } * { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً } * { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً } * { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

جاسَ يَجُوسُ جوساً وَجَوَساناً تردد في الغارة قاله الليث. وقال أبو عبيدة: جاسوا فتشوا هل بقي ممن لم يقتل. وقال الفراء: قيلوا. قال حسان:
ومنا الذي لاقى لسيف محمد   فجاس به الأعداء عرض العساكر
وقال قطرب: نزلوا، قال الشاعر:
فجسنا ديارهم عنوة   وأبناء ساداتهم موثقينا
وقيل: داسوا، ومنه:
إليك جسنا الليل بالمطي   
وقال أبو زيد: الجوس والحوس والعوس والهوس الطواف بالليل. فالجوس والحوس طلب الشي باستقصاء. حظرت الشيء منعته.

{ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرتين ولتعلنّ علواً كبيراً فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ثم رددنا لكم الكرّة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا }.

{ قَضى } يتعدّى بنفسه إلى مفعول كقوله:فلما قضى موسى الأجل } [القصص: 29] ولما ضمن هنا معنى الإيحاء أو الإنفاذ تعدّى بإلى أي وأوحينا أو أنفذنا إلى بني إسرائيل في القضاء المحتوم المبتوت. وعن ابن عباس معناه أعلمناهم، وعنه أيضاً قضينا عليهم، وعنه أيضاً كتبنا. واللام في { لتفسدن } جواب قسم، فإما أن يقدر محذوفاً ويكون متعلق القضاء محذوفاً تقديره وقضينا إلى بني إسرائيل بفسادهم في الأرض وعلوهم، ثم أقسم على وقوع ذلك وأنه كائن لا محالة، فحذف متعلق قضينا وأبقى منصوب القسم المحذوف. ويجوز أن يكون قضينا أجري مجرى القسم ولتفسدنّ جوابه، كقولهم قضاء الله لأقومنّ. وقرأ أبو العالية وابن جبير في الكتب على الجمع والجمهور على الإفراد فاحتمل أن يريد به الجنس، والظاهر أن يراد التوراة. وقرأ ابن عباس ونصر بن عليّ وجابر بن زيد لتفسدنّ بضم التاء وفتح السين مبنياً للمفعول أي يفسدكم غيركم. فقيل من الإضلال. وقيل من الغلبة. وقرأ عيسى لتفسدنّ بفتح التاء وضم السين أي فسدتم بأنفسكم بارتكاب المعاصي مرتين أولاهما قتل زكرياء عليه السلام قاله السدّي عن أشياخه، وقاله ابن مسعود وابن عباس، وذلك أنه لما مات صديقة ملكهم تنافسوا على المُلك وقتل بعضهم بعضاً ولا يسمعون من زكريا. فقال الله له: قم في قومك أوح على لسانك، فلما فرغ مما أوحى الله إليه عدواً عليه ليقتلوه فهرب فانفلقت له شجرة فدخل فيها، وأدركه الشيطان فأخذ هدبة من ثوبه فأراهم إياها فوضعوا المنشار في وسطها حتى قطعوه في وسطها. وقيل: سبب قتل زكريا أنهم اتهموه بمريم قيل قالوا حين حملت مريم: ضيع بنت سيدنا حتى زنت، فقطعوه بالمنشار في الشجرة.

السابقالتالي
2 3 4 5