الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } * { وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } * { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً }

قال ابن مسعود: نزلت في عَبدةَ الشياطين وهم خزاعة أسلمت الشياطين وبقوا يعبدونهم. وقال ابن عباس في عزير والمسيح وأمه، وعنه أيضاً وعن ابن مسعود وابن زيد والحسن في عبدة الملائكة وعن ابن عباس في عبدة الشمس والقمر والكواكب وعزير والمسيح وأمه انتهى. ويكون { الذين زعمتم من دونه } عاماً غلب فيه من يعقل على ما لا يعقل، والمعنى أدعوهم فلا يستطيعون أن يكشفوا عنكم. الضر من مرض أو فقر أو عذاب ولا أن يحوّلوه من واحد إلى آخر أو يبدلوه. وقرأ الجمهور: { يدعون } بياء الغيبة وابن مسعود وقتادة بتاء الخطاب، وزيد بن عليّ بياء الغيبة مبنياً للمفعول، والمعنى يدعونهم آلهة أو يدعونهم لكشف ما حل بكم من الضر كما حذف من قوله { قل ادعوا } أي ادعوهم لكشف الضر.

وفي قوله: { زعمتم } ضمير محذوف عائد على { الذين } وهو المفعول الأول والثاني محذوف تقديره زعمتموهم آلهة من دون الله، و { أولئك } مبتدأ و { الذين } صفته، والخبر { يبتغون }. و { الوسيلة } القرب إلى الله تعالى، والظاهر أن { أولئك } إشارة إلى المعبودين والواو في { يدعون } للعابدين، والعائد على { الذين } منصوب محذوف أي يدعونهم.

وقال ابن فورك: الإشارة بقوله بأولئك إلى النبيين الذين تقدّم ذكرهم، والضمير المرفوع في { يدعون } و { يبتغون } عائد عليهم، والمعنى يدعون الناس إلى دين الله، والمعنى على هذا أن الذين عظمت منزلتهم وهم الأنبياء لا يعبدون إلاّ الله ولا يبتغون الوسيلة إلاّ إليه، فهم أحق بالاقتداء بهم فلا يعبدوا غير الله.

وقرأ الجمهور: { إلى ربهم } بضمير الجمع الغائب. وقرأ ابن مسعود إلى ربك بالكاف خطاباً للرسول، واختلفوا في إعراب { أيهم أقرب } وتقديره. فقال الحوفي: { أيهم أقرب } ابتداء وخبر، والمعنى ينظرون { أيهم أقرب } فيتوسلون به ويجوز أن يكون { أيهم أقرب } بدلاً من الواو في { يبتغون } انتهى. ففي الوجه الأول أضمر فعل التعليق، و { أيهم أقرب } في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن نظر إن كان بمعنى الفكر تعدّى بفي، وإن كانت بصرية تعدّت بإلى، فالجملة المعلق عنها الفعل على كلا التقديرين تكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر كقولهفلينظر أيها أزكى طعاماً } [الكهف: 19] وفي إضمار الفعل المعلق نظر، والوجه الثاني قاله الزمخشري قال: وتكون أي موصولة، أي يبتغى من هو أقرب منهم وأزلف الوسيلة إلى الله فكيف بغير الأقرب انتهى. فعلى الوجه يكون { أقرب } خبر مبتدأ محذوف، واحتمل { أيهم } أن يكون معرباً وهو الوجه، وأن يكون مبنياً لوجود مسوغ البناء. قال الزمخشري: أو ضمن { يبتغون } { الوسيلة } معنى يحرصون فكأنه قيل يحرصون أيهم يكون أقرب إلى الله، وذلك بالطاعة وازدياد الخير والصلاح، فيكون قد ضمن { يبتغون } معنى فعل قلبي وهو يحرصون حتى يصح التعليق، وتكون الجملة الابتدائية في موضع نصب على إسقاط حرف الجر لأن حرص يتعدى بعلى، كقوله

السابقالتالي
2 3 4