الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً } * { أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيباً } * { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً }

الجديد معروف. نغضت سنه: تحركت قال: ونغضت من هرم أسنانها. تنغض وتنغض نغضاً ونغوضاً، وأنغض رأسه حركه برفع وخفض. قال:
لما رأتني انغضت لي الرأسا   
وقال الآخر:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا   كأنه يطلب شيئاً أطمعا
وقال الفراء: أنغض رأسه حركه إلى فوق وإلى أسفل. وقال أبو الهيثم: إذا أخبر بشيء فحرك رأسه إنكاراً له فقد أنغض رأسه. وقال ذو الرمّة:
ظعائن لم يسكنّ أكناف قرية   بسيف ولم ينغض بهن القناطر
{ قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رؤوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً }.

قال الزمخشري: لما قالواأئذا كنا عظاماً } [الإسراء: 49، 98] قيل لهم { كونوا حجارة أو حديداً } فردّ قوله { كونوا } على قولهم { كنا } كأنه قيل { كونوا حجارة أو حديداً } ولا تكونوا عظاماً فإنه يقدر على إحيائكم. والمعنى أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحي وغضاضته بعدما كنتم عظاماً يابسة، مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شيء من الحياة ورطوبة الحي ومن جنس ما ركب به البشر، وهو أن تكونوا { حجارة } يابسة { أو حديداً } مع أن طباعها القساوة والصلابة لكان قادراً على أن يردكم إلى حال الحياة { أو خلقاً مما يكبر } عندكم عن قبول الحياة، ويعظم في زعمكم على الخالق احياؤه فإنه يحييه.

وقال ابن عطية: كونوا إن استطعتم هذه الأشياء الصعبة الممتنعة التأتي لا بد من بعثكم. وقوله { كونوا } هو الذي يسميه المتكلمون التعجيز من أنواع أفعل، وبهذه الآية مثل بعضهم وفي هذا عندي نظر وإنما التعجيز حيث يقتضي بالأمر فعل ما لا يقدر عليه المخاطب كقوله تعالى:فادرؤوا عن أنفسكم الموت } [آل عمران: 168] ونحوه. وأما هذه الآية فمعناها كونوا بالتوهم والتقدير كذا وكذا { الذي فطركم } كذلك هو يعيدكم انتهى. وقال مجاهد: المعنى { كونوا } ما شئتم فستعادون. وقال النحاس: هذا قول حسن لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة وإنما المعنى أنهم قد أقروا بخالقهم وأنكروا البعث فقيل لهم استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم { حجارة أو حديداً } لبعثتم كما خلقتم أول مرة انتهى.

{ أو خلقا مما يكبر في صدوركم } صلابته وزيادته على قوة الحديد وصلابته، ولم يعينه ترك ذلك إلى أفكارهم وجولانها فيما هو أصلب من الحديد، فبدأ أولاً بالصلب ثم ذكر على سبيل الترقي الأصلب منه ثم الأصلب من الحديد، أي افرضوا ذواتكم شيئاً من هذه فإنه لا بد لكم من البعث على أي حال كنتم.

السابقالتالي
2 3