الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً } * { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَٰرِهِمْ نُفُوراً } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } * { ٱنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } * { وَقَالُوۤاْ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً }

نزلت { وإذا قرأت القرآن } في أبي سفيان والنضر وأبي جهل وأم جميل امرأة أبي لهب، كانوا يؤذون الرسول إذا قرأ القرآن، فحجب الله أبصارهم إذا قرأ فكانوا يمرون به ولا يرونه قاله الكلبي: " وعن ابن عباس نزلت في امرأة أبي لهب، دخلت منزل أبي بكر وبيدها فهر والرسول صلى الله عليه وسلم عنده، فقالت: هجاني صاحبك، قال: ما هو بشاعر، قالت: قال { في جيدها حبل من مسد } [المسد: 5] وما يدريه ما في جيدي؟ فقال لأبي بكر: «سلها هل ترى غيرك فإن ملكاً لم يزل يسترني عنها» فسألها فقالت: أتهزأ بي ما أرى غيرك؟ فانصرفت ولم تر الرسول صلى الله عليه وسلم " وقيل: نزلت في قوم من بني عبد الدار كانوا يؤذونه في الليل إذا صلى وجهر بالقراءة، فحال الله بينهم وبين أذاه.

ولما تقدّم الكلام في تقرير الإلهية جاء بعده تقرير النبوة وذكر شيء من أحوال الكفرة في إنكارها وإنكار المعاد، والمعنى وإذا شرعت في القراءة وليس المعنى على الفراغ من القراءة بل المعنى على أنك إذا التبست بقراءة القرآن ولا يراد بالقرآن جميعه بل ما ينطلق عليه الاسم، فإنك تقول لمن يقرأ شيئاً من القرآن هذا يقرأ القرآن، والظاهر أن القرآن هنا هو ما قرىء من القرآن أي شيء كان منه. وقيل: ثلاث آيات منه معينة وهي في النحلأولئك الذين طبع } [النحل: 108] إِلىالغافلون } [النحل: 108] وفي الكهفومن أظلم } [الكهف: 57] إِلىإذا أبدا } [الكهف: 57] وفي الجاثيةأفرأيت من اتخذ إلهه هواه } [الجاثية: 23] إِلىأفلا تتذكرون } [الجاثية: 23] وعن كعب أن الرسول كان يستتر بهذه الآيات، وعن ابن سيرين أنه عينها له هاتف من جانب البيت، وعن بعضهم أنه أسر زماناً ثم اهتدى إلى قراءتها فخرج لا يبصره الكفار وهم يتطلبونه تمس ثيابهم ثيابه. قال القرطبي: ويزاد إلى هذه الآي أول يس إلىفهم لا يبصرون } [يس: 9] ففي السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم " حين نام على فراشه خرج ينثر التراب على رؤوس الكفار فلا يرونه وهو يتلو هذه الآيات من يس، ولم يبق أحد منهم إلاّ وضع على رأسه تراباً " والظاهر أن المعنى جعلنا بين رؤيتك وبين أبصار الذين لا يؤمنون بالآخرة كما ورد في سبب النزول.

وقال قتادة والزجّاج وجماعة ما معناه: { جعلنا } بين فهم ما تقرأ وبينهم { حجاباً } فلا يقرون بنبوتك ولا بالبعث، فالمعنى قريب من الآية بعدها، والظاهر إقرار { مستوراً } على موضوعه من كونه اسم مفعول أي { مستوراً } عن أعين الكفار فلا يرونه، أو { مستوراً } به الرسول عن رؤيتهم. ونسب الستر إليه لما كان مستوراً به قاله المبرد، ويؤول معناه إلى أنه ذو ستر كما جاء في صيغة لابن وتامر أي ذو لبن وذو تمر.

السابقالتالي
2 3 4