الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } * { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } * { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

لما نبه تعالى على فساد من أثبت لله شريكاً ونظيراً أتبعه بفساد طريقة من أثبت لله ولداً، والاستفهام معناه الإنكار والتوبيخ والخطاب لمن اعتقد أن الملائكة بنات الله ومعنى { أفأصفاكم } آثركم وخصكم وهذا كما قال: أله البنات ولكم البنونألكم الذكر وله الأنثى } [النجم: 21] وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات. ومعنى { عظيماً } مبالغاً في المنكر والقبح حيث أضفتم إليه الأولاد ثم حيث فضلتم عليه تعالى أنفسكم فجعلتم له ما تكرهون، ثم نسبة الملائكة الذين هم من شريف ما خلق إلى الأنوثة. ومعنى { صرّفنا } نوَّعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال، والتصريف لغة صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين. وقرأ الجمهور { وصرّفنا } بتشديد الراء. فقال: لم نجعله نوعاً واحداً بل وعداً ووعيداً، ومحكماً ومتشابهاً، وأمراً ونهياً، وناسخاً ومنسوخاً، وأخباراً وأمثالاً مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال، ومفعول { صرّفنا } على هذا المعنى محذوف وهي هذه الأشياء أي: صرّفنا الأمثال والعبر والحكم والأحكام والأعلام. وقيل: المعنى لم ننزله مرة واحدة بل نجوماً ومعناه أكثرنا صرف جبريل إليك والمفعول محذوف أي { صرّفنا } جبريل.

وقيل: { في } زائدة أي { صرّفنا } { هذا القرآن } كما قالوأصلح لي في ذريتي } [الأحقاف: 15] وهذا ضعيف لأن في لا تزاد. وقال الزمخشري: يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره، والمعنى ولقد { صرّفنا } القول في هذا المعنى، وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكاناً للتكرير، ويجوز أن يشير بهذا { القرآن } إلى التنزيل، ويريد ولقد صرفناه يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم انتهى. فجعل التصريف خاصاً بما دلت عليه الآية قبله وجعل مفعول { صرفنا } أما القول في هذا المعنى أو المعنى وهو الضمير الذي قدره في صرفناه وغيره جعل التصريف عامّاً في أشياء فقدر ما يشمل ما سيق له ما قبله وغيره. وقرأ الحسن بتخفيف الراء. فقال صاحب اللوامح: هو بمعنى العامة يعني بالعامة قراءة الجمهور، قال: لأن فعل وفعل ربما تعاقبا على معنى واحد. وقال ابن عطية: على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله.

وقرأ الجمهور { ليذّكروا } أي ليتذكروا من التذكير، أدغمت التاء في الذال. وقرأ الأخوان وطلحة وابن وثاب والأعمش ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف من الذكر أو الذكر، أي ليتعظوا ويعتبروا وينظروا فيما يحتج به عليهم ويطمئنوا إليه { وما يزيدهم } أي التصريف { إلاّ نفوراً } أي بعداً وفراراً عن الحق كما قال:فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [التوبة: 125] وقال:فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمُر مستنفرة }

السابقالتالي
2 3