الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المحيط/ ابو حيان (ت 754 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } * { وأَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } * { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } * { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } * { مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

لما ذكر تعالى من اختصه بالإسراء وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن آتاه التوراة وهو موسى عليه السلام وأنها هدى لبني إسرائيل، وذكر ما قضى عليهم فيها من التسليط عليهم بذنوبهم، كان ذلك رادعاً من عقل عن معاصي الله فذكر ما شرف الله به رسوله من القرآن الناسخ لحكم التوراة وكل كتاب إلهي، وأنه يهدي للطريقة أو الحالة التي هي أقوم. وقال الضحاك والكلبي والفراء { التي هي أقوم } هي شهادة التوحيد. وقال مقاتل: للأوامر والنواهي و { أقوم } هنا أفعل التفضيل على قول الزجاج إذ قدر أقوم الحالات وقدره غيره أقوم مما عداها أو من كل حال، والذي يظهر من حيث المعنى أن { أقوم } هنا لا يراد بها التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يرشد إليها القرآن وطريقة غيرها، وفضلت هذه عليها وإنما المعنى التي هي قيمة أي مستقيمة كما قال:وذلك دين القيمة } [البينة: 5] وفيها كتب قيمة } [البينة: 3] أي مستقيمة الطريقة، قائمة بما يحتاج إليه من أمر الدين. وقال الزمخشري: { التي هي أقوم } للحالة التي هي أقوم الحالات وأشدّها أو للملة أو للطريقة، وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في إبهام الموصوف لحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه انتهى.

{ ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات } قيد في الإيمان الكامل إذ العمل هو كمال الإيمان، نبه على الحالة الكاملة ليتحلى بها المؤمن، والمؤمن المفرط في عمله له بإيمانه حظ في عمل الصالحات والأجر الكبير الجنة. وقال الزمخشري: فإن قلت كيف ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة؟ قلت: كان الناس حينئذ إما مؤمن تقي، وإما مشرك، وإنما حدث أصحاب المنزلة بين المنزلتين بعد ذلك انتهى. وهذا مكابرة بل وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين هنات وسقطات بعضها مذكور في القرآن، وبعضها مذكور في الحديث الصحيح الثابت.

{ وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة } عطف على قوله: { أن لهم أجراً كبيراً } بشروا بفوزهم بالجنة وبكينونة العذاب الأليم لأعدائهم الكفار، إذ في علم المؤمنين بذلك وتبشيرهم به مسرة لهم، فهما بشارتان وفيه وعيد للكفار. وقال الزمخشري: ويجوز أن يراد ويخبر بأن الذين لا يؤمنون انتهى. فلا يكون إذ ذاك داخلاً تحت البشارة. وفي قوله: { وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة } دليل على أن من آمن بالآخرة لا يعدّ له عذاب أليم، وأنه ليس عمل الصالحات شرطاً في نجاته من العذاب.

وقرأ الجمهور { ويبشر } مشدّداً مضارع بشر المشدّد. وقرأ عبد الله وطلحة وابن وثاب والإخوان { ويبشر } مضارع بشر المخفف ومعنى { أعتدنا } أعددنا وهيأنا، وهذه الآية جاءت عقب ذكر أحوال اليهود، واندرجوا فيمن لا يؤمن بالآخرة لأن أكثرهم لا يقول بالثواب والعقاب الجسماني وبعضهم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6